أنت هنا

تاريخ النشر: 
الأحد, يوليو 19, 2020 - 19:08
 
كرامة الأطفال في المسيحيَّة
 
 
بقلم الأب ميخائيل حدّاد الرّاهب المخلّصي
 
 

سأقوم في حديثي هذا باستعراض سريع لقيمة الأطفال وكرامتهم بحسب الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد، ثمَّ سأتوقف عند بعض المحطَّات في حياتنا تصبّ مباشرة في خانة كرامة الطِّفل وأختم برأي شخصي

 
القسم الأوَّل: كرامة الأطفال في الكتاب المقدس

كرامة الأطفال في العهد القديم

في العهد القديم تُعتبر كثرة الأولاد نعمة من الله: "إن البنين ميراث من الرَّب وثمرة البطن ثواب منه"[1]. وكان الطفل بسبب ضعفه شخصًا محظيًّا لدى الله، فالرب نفسه هو حامي اليتيم، والمنتقم لحقوقه. والأطفال لا يُستبعدون من عبادة الله، بل يشتركون في ابتهالات التوبة[2]، ويُعِدّ الله لنفسه تسبحة من فم الأطفال والرضّع.

الله لا يتردّد في اختيار بعض الأطفال بمثابة أول المستفيدين من وحيه والمرسَلين للبشارة بخلاصه. فصموئيل الصغير يقبل كلمة الله ويبلّغها بأمانة[4]، وداود يُميَّز أفضل من إخوته الكبار[5]، أخيرًا فإن أوج مجد النبوّات عن المسيح هو مولد العمانوئيل المخلّص، علامة للخلاص.

كرامة الأطفال في العهد الجديد

أَوَلم يكن يليق إذن بابن الله أن يصير طفلاً، ليفتتح العهد الجديد؟ إن لوقا قد حدّد بعناية مراحل الطفولة التي مرّ بها يسوع، وليدُ المغارة، الطفلُ الحديث الولادة المقدَّم للهيكل، الصبي المطيع لأبويه، والمستقلّ مع ذلك استقلالاً عجيباً سرياً عنهما، في تبعيته لأبيه السماوي ولما بلغ يسوع سن الرشد، اتّخذ من الأطفال موقفاً لا يختلف عن موقف الله. إذ قد طوّب الفقراء، وبارك" الأطفال، مظهراً بذلك أن لهؤلاء وأولئك أن يدخلوا مباشرة الملكوت. فما الأطفال إلا رمز للتلاميذ الحقيقيين. "فطوبى لمن يقبل واحداً من هؤلاء الصغار، ولكن الويل لمن يعثّرهم أو يحتقرهم.

 

القسم الثاني: كرامة الأطفال بحسب تعليم الكنيسة

تتحقق كرامة الأطفال والدفاع عن حقوقهم وإعلاء قيمتهم من "إن ابن الله بتأنسه قد اتحد، نوعًا ما، بكل إنسان. فالبشرية، من خلال هذا الحدث الخلاصي، تتلقى الكشف عما يتمتع به كل إنسان من قيمة لا تضاهى، هذا هو إنجيل حبّ الله للإنسان، وإنجيل الكرامة البشرية، وإنجيل الحياة.

 كرامة الطفل الذي لم يولَد بعد

"قبل أن أُصوِّرك في البطن عرفتُكَ، وقبل أن تخرج من الرّحم قدَّستُك..."[7]: ندّد المجمع الفاتيكاني الثاني تنديدًا صارمًا بالجرائم المتنوّعة والانتهاكات التي تستهدف كرامة الأطفال إذ كلّ ما يتصدَّى للحياة ذاتها كالقتل والإجهاض والقتل الرحيم والتلقيح الاصطناعي والاستنساخ، وكل ما هو انتهاك لحصانة الأجنَّة هي في الحقيقة ممارسات مخزية، لأنها تفسد الحضارة، علاوة على أنها إهانة ثقيلة لكرامة الخالق، فالطفل قد حظي بكرامة رفيعة جدًا، تضرب جذورها في الرباط الحميم الذي يشدّه إلى خالقه: ففي الأطفال يسطع شعاع من حقيقة الله ذاتها.

كرامة الأطفال في أُسرهم وعائلاتهم

إنَّ للتربية الحازمة أهمية عظيمة لكي لا يُترَك الطفل كريشة في مهبّ الريح، فعلينا أن نربيه برعايتنا واهتمامنا، واضعين نُصب أعيننا أنَّه وديعة الله الثمينة ونحن مطالبون بها يوم الدينونة. يقول الكتاب المقدس: "لا تُغيظوا أولادكم، بل ربوهم بتأديب الرب وإنذاره". وهذا يتطلَّب وداعة كبيرة وأمانةً روحية في جميع الصغائر، وهكذا يُصقِلنا تأديبَه وتهذيبَه واهتمامَنا بمواهبه. فإذا بنا أيقوناتٌ حيةٌ تحدِّثُ أولادنا عن الله، وإذا بأولادنا يتدرَّجون مع الله عبر علاقاتهم بنا في معارج القداسة.

الكنيسة وكرامة والأطفال

تنادي الكنيسة بوجوب العناية بالأطفال عناية رفيقة شديدة، وإذ تخصّه بمثل هذه العناية، إنما تقوم بأوجب واجباتها، وهي في الواقع مدعوّة لكي تثبت وتجدّد في التاريخ مثل السيد المسيح ووصيته بشأن الأطفال الذين أراد أن يجعلهم في وسط ملكوت الله إذ قال: "دعوا الأطفال يأتون إليّ ولا تمنعوهم، لأن أمثال هؤلاء ملكوت الله". تحيط الكنيسة الأطفال بالمحبة التي هي أساس كل تربية، فالمربي "يعلِّم ويوحي ويكشف ويعظ، ويعد ويعاقب ويكافئ، ويعطي المثل. ومن أجل ذلك يجب أن يكون أميناً على مخططه، وصبوراً من أجل النتائج المنشودة.

إنَّ الكتب المقدسة هي مصدر للتعليم والتأديب. وبولس نفسه يربي مراسليه إذ يدعوهم إلى الاقتداء به. فعلى المؤمنين أن يمارسوا عمل التأديب الأخوي، طبقاً لوصية الرب يسوع. هذا ما كان يفعله بولس عادة، دون أن يخشى استخدام العصا، وأن يؤلم إذا لزم الأمر، مؤاخذًا ومحذرًا أولاده بلا انقطاع.

 المدارس وكرامة الأطفال

 تتميز التربية بمظهرين: فالغاية هي الحكمة، والوسيلة المفضلة هي التهذيب. فعلى المعلم أن يعلِّم تلميذَه الحكمة، والفطنة، و"التأديب"[8]. وثمرة التربية هي حسن التدبير وأسلوب تصرف سليم في الحياة، يجب تفهُّمه والحفاظ عليه فلا بدَّ لبلوغ الحياة من مطابقة القلب على "التأديب". إن التربية فن صعب، لأن المجتمع فاسد ويجر إلى الشر[9]، من ثم تكون التوبيخات أمرًا ضروريًا، وأكثر منها استخدام السوط عند الضرورة، بحسب ظروف ملائمة. "أما السياط والتأديب فهما في كل وقت حكمة"[10]. تلك هي الخبرة الأساسية التي تساعد على فهم أسلوب تربوي.

كلمة لا بدَّ منها

   عندما ينصاع الأهل لطلب ابنهم أن يعطوه ما شاء من رغباته، خاصَّة عندما يعاند ويبكي، سيكبر هذا الطفل معتقدًا أنَّ الآخرين عليهم أن يعطوه كل شيء وأنَّ له الحق في ذلك

   لا تضحك عندما يبدأ ابنك يتلفظ الشتائم، والكلمات البذيئة، بل علِّمه أن يكون لسانه طاهرًا، ويقول كلمات موزونة.

   الصَّلاة العائليَّة والاعتراف والتناول الإلهيّ ضروريّ للغاية، إذ عندما يرى الطِّفل والديه يُصلِّيان ويمارسان الأسرار سيبدأ عن طريقهما حياته الخاصَّة في الصَّلاة ويتشبَّه بوالديه كقدوة

   لينتبه الأهل إلى تأثير الأصدقاء والجيران على أخلاق أولادهم، وليراقبوا ما يشاهدونه على شاشة التلفزيون والإنترنت، وما يقرأونه من كتب ومجلاَّت

  الأطفال بحاجة إلى أب وأمٍّ بكل ما للكلمة من معنى، وليس فقط إلى والد ووالدة يلدانهم ويعهدان إلى آخرين أن يربوهما لهما، فالأطفال بحاجة إلى من يسمعهم ويصغي إليهم، ويشعر معهم، وليس هناك أروع من حضن الأهل الدافئ.

خاتمة

بالحقيقة إنه لا يمكن أن تقوم ديمقراطية صحيحة، إذا أنكرت كرامة كل شخص ولم تحترم حقوقه. ولا يمكن أيضاً أن يقوم سلام حقيقي، إذا خلا المجتمع ممّن يدافع عن الحياة ويساندها، كما ذكَّر بذلك بولس السادس: "كل جريمة ضد الحياة هي جريمة ضد السلام، خصوصاً إذا انتُهكت أخلاق الشعب [.....] ولكن حيث تُعلن حقاً حقوق الإنسان ويُعترَف بها ويُدافَع عنها علناً فالسلام يصبح هو الجو الذي يعيش فيه المجتمع في غمرة الفرح والفاعلية.

[1]  (مز 126/3، 127/ 3- 4)

[2]  (يوئيل 2: 16، يهوديت 4: 10- 11)

[3]  (مزمور 8: 2 - 3، متى 21: 16)

[4] (1 صموئيل 13)

[5]  (1صموئيل 16)

[6]  (إشعيا 7: 14- 16)

[7]  (إر 1/ 5)

[8]  (أمثال 23: 23)

[9]  (أمثال1: 10- 12)

[10]  (سيراخ 22: 6، 30: 1- 13، أمثال 23: 13- 14)