أنت هنا

القائمة:

 

مريم المجدليّة... محبّة وأمانة عابرتان للصليب وللموت

 

في الثاني والعشرين من شهر تمّوز (بحسب السنة الطقسيّة البيزنطيّة)، تحتفل الكنيسة بتذكار قديسة مُعاصرة ومُرافقة للربّ يسوع في كرازته الملكوتيّة... وقد حملت ألقاباً عديدة، منها "الحاملة الطيب"، المُعادلة للرسل"، "رسولة الرسل"، "التائبة الكُبرى"، "الزائرة الأولى للقبر الأقدس"...

فمن هي ؟؟؟

في صبيحة اليوم "الأول من الأسبوع"، قصدت بعض النسوة قبر "المُعلّم" بهدف إكمال عمليّة تطييب جسده المائت، وهُنّ ممّن تبعنَهُ وخدمنَهُ خلال كرازته الثلاثيّة السنوات. وبعضهنّ شاهدنَه مرفوعاً على الصليب، وشهدنَ موته ودفنه في ذلك "القبر الجديد"... إلا أنهنّ وجدنَ الحجر مُدحرَجاً عن باب القبر، والقبر فارغاً إلا من لفائف الأكفان. لكن شابّاً عليه ثياب برّاقة، وقف إزاءهنّ وبادرهنّ: أولاً بسؤال "لِمَ تبحثنَ..."، ثانياً بتأكيد "ليس هو ههنا، فقد قام..."، وثالثاً بإرسال "إذهبنَ وقلنَ...". إنذهلنَ لهذا الكلام، وخرجنَ من القبر خائفات... (مرقس 16: 1-8).

إلا أن إحداهنّ بقيت عند القبر تبكي إختفاء جسد المُعلّم، فبادرها فجأةً رجل وسألها عمّن تطلب. وبعد أن أجابته بما أجابته، ناداها بإسمها "مريم". تعرّفت على الفور إلى ذلك الصوت الذي سمعته سابقاً مرّات ومرّات. صوت ذو بُعدٍ إلهيّ لا يَخُصّ إلا شخصاً واحداً: "المُعلّم". فهتفت نحوه "رابوني..." (يوحنا 20: 11-18).

* إنها مريم المجدليّة، التي أخرج الربّ منها "سبعة شياطين"، أي أنها كانت مكبّلة بالأهواء الأرضيّة والبُعد عن الله (ولا يعني ذلك بالضرورة الزنى كما قد يُخيّل إلينا).

* إنها مريم المجدليّة، التي تبعت الربّ في كرازته الملكوتيّة، وساهمت بسخاء في مصاريف تلك الكرازة، وسمعت بأذنَيها "ما لم يسمعه بشر من قبل"، ورأت بعينيها "ما ومن إشتهى أن يراه ملوك وأنبياء العهد القديم".

* إنها مريم المجدليّة، التي شهدت آلام السيّد وصلبه ونزاعه حتى النفس الأخير، وصولاً إلى حضورها إنزاله عن الصليب وتطييبه ودفنه بمُبادرة من الوجيه يوسف الراميّ.

* إنها مريم المجدليّة، التي لم تُصدّق أن يمضي "ذاك السبت العظيم"، لكي تأتي باكراً إلى القبر وتُكمل تطييب جسد "المُعلّم"، من خلال سخائها وأمانتها المعهودَين.

* إنها مريم المجدليّة، التي أتت باكراً إلى القبر تبحث عن السيّد "جثةً هامدةً"، فإذا هو حيّ أمامها، يناديها بإسمها (الراعي الصالح ينادي خرافه بإسمها). جاءت تبحث عن المُعلّم "الفاقد النسمة"، فإذا بها تلتقي بالربّ "المُعطي الحياة".

* إنها مريم المجدليّة، التي بكت بكاء مرّاً لفراق "المُعلّم"، والتي بعد قيامته ذرفت دموع الفرح، وخرّت له ساجدةً ومُمسِكة بقدمَيه.

* إنها مريم المجدليّة، التي أتت إلى القبر "حاملة للطيب"، فأضحت "حاملة لبُشرى القيامة" إلى الرسل الخائفين والمُختبئين، ولذلك سُمّيت ب"رسولة الرسل".

اليوم، وفي تذكارها المجيد، نتأمل ونأخذ العبرة من تلك الشخصيّة، التي كانت مثالاً في محبّتها وأمانتها للربّ يسوع، صفات عابرة للصليب وللموت، تميّزت بها إلى أقصى حدّ... فكانت مكافأتها أن تُعاين الربّ القائم من الموت، وأن تُصبح أول من بشّر بهذه القيامة (بعد الملاك طبعاً).

اليوم، كلّ منا هو "مريم"، الباكية أمام مصائب الحياة، حيث تبدو لنا الأفق مسدودة (كما وقت صلب السيّد)، وحيث يتسلّل اليأس والإحباط إلى نفوسنا (كما شعر التلاميذ بفقدان المُعلّم)... ولكن أيضاً، كلّ منا هو "مريم"، حيث يقف الربّ القائم من الموت، وينادينا بأسمائنا، وهو يقول لنا "ثقوا، أنا غلبتُ العالم" (يو 16: 33)، "كنتُ ميتاً، وها أنا حيّ إلى الأبد" (رؤ 1: 18). فيُذكّرنا بأننا أبناء القيامة، على صورته ومثاله، هو بكر القائمين من بين الأموات. فننطلق على مثال الرسل ومريم المجدليّة في جدّة الحياة، مُعلنين من خلال حياتنا خصوصاً، إنتصار الحياة على الموت...

 

بقلم الاخ  توفيق ناصر (خريستوفيلوس)