أنت هنا

القائمة:

 

خدمة الآخرين

 

 

ما الصعب والمؤلم أو المستحيل في قول الرّب -بِعْ أَمْلاَكَكَ وَأَعْطِ الْفُقَرَاءَ (مت 19: 21) ؟
 
لو أنه كلَّفك أن تحرث الأرض أو أن تخاطر في المتاجرة، وتتحمَّل ما يتبع ذلك من الجهود، لفهمت ما يعتريك من الحزن
 ولكنه يعرُضُ عليك الحصول على السعادة الأبدية، بطريقة سهلة وبدون عمل أو عرَق، فلماذا لا تُسرُّ بسهولة الخلاص بدلاً من التحسُّر وتعريض نفسك لفقدان الأَجر على عملك؟ 
فإذا كنت لم تقتل حقاً كما تقول ولم تسرق، ولم تشهد زوراً، فإنك تجعل كل جهودك باطلة، حين لا تضيف الى ما يمكنه أن يفتح لك ملكوت الله
لو تقدّمَ اليك طبيب ليُصلح لك عضواً مَؤوفاً من أعضائك، فانك لا تتردّد، بل تقبل ذلك بطيبة خاطر، فلماذا تحزن وتزعل حين يتقدّم اليك طبيب النفوس وهو يريد أن يُصيِّرَكَ كاملاً بأن تُضيف إليك ما ينقُصكَ جوهريّاً؟ 
لا شكَّ أنك بعيد جداً عمّاَ يقتضيه حبُّ القريب، وتشهد زوراً بأنك تحبه مثل نفسك. إنَّ ما يعرضه عليك الرب دليل قاطع على خلوِّك من المحبة الحقيقية. لأنك لو كنت حفِظت حقاً منذ صغرك وصيَّة الحبِّ لقريبك (لا 19 : 18
وساويتَ ما بينك وبين أخيك لما أمكن أن تكونَ لديك هذه الثروة الطائلة
إنَّ الاهتمام بالفقراء يستدعي نفقات عظيمة، اذا أردنا أن ينال كل واحد منهم الضروري، وأن يستفيدَ جميع الناس من خيرات الأرض ويحصلوا على ما يَسُدُّ حاجاتهم
فمن يحب قريبه كنفسه (مت 19 : 19). فلا ينبغي أن يكون عنده أكثر من أخيه، ومن الأكيد أنَّ عندك أملاكاً واسعة. فمن أين نَشأَ هذا التفاوت
الاَّ من إيثارك تمتُّعَك الشخصي على سعادة الآخرين؟ فكلَّما زِدتَ غنىً نقَصْتَ حباً. لو أنك أحببت قريبك لكنت قد وزَّعت من زمان طويل جزءاً من أموالك
ولكنك متعلق بهذه الخيور تعلُّقك بجزءٍ من روحك. ويؤلمك حرمانك منها كما يؤلمك قَطْعُ عضو من أعضائك
وانك لتُخفي ما بقيَ من مالِك، بعد الاسراف، في خزائن من حديد، وتقول: المستقبل مجهول، ولا بدّ من التحصُّن مما يفاجئ من الضرورات! صدَقتَ: ليس من المؤكد أنك تحتاج الى هذا المال، ولكن شيئاً آخر مؤكَّد: هو خطيئتك
فإنك لمَّا لم تبذِّر ثروتك بالرغم من حماقاتك، أخفَيتها وفي إخفاء ثروتك دفنت قلبك. لقد قال المسيح
-حَيْثُ يَكُونُ كَنْزُكَ هُنَاكَ يَكُونُ قَلْبُكَ(مت 6: 21
لهذا تثقل على الأغنياء وصايا الله. وتبدو لهم الحياة كريهة، اذا لم يُنفقوها بالتبذير. فشاب الانجيل الغني وأمثاله أشبه بمن أراد أن يزور مدينة، فقام بسفر شاق طويل في سبيل الوصول اليها 
وما كاد يقف على بابها حتى أخذ منه الخمول مأخذه فعاد أدراجه، وقد خسر ثمرة جهده ولذَّة رؤيته تلك المحاسن التي قاسى ما قاسى من التعب لأجلها
هذه صورة من يحفظون وصايا الله ويأبَون أن يُضَحُّوا في سبيل البائسين بشيء. اني لأعرِف كثيرين منهم. بما يعرف الطمع؟ 
بخرق الشريعة اﻹلهية إذ يفتكر اﻹنسان في نفسه قبل أن يفتكر في غيره. وذلك بحسب الشريعة القديمة لأنه قد كُتب
-أَحِبَّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ(مت 19: 19
وبحسب شريعة اﻹنجيل اذ يُمسِكُ اﻹنسان لمنفعته الخاصة أكثر مما يحتاج إليه في يومه، لأنه كُتِب
-يَا غَبِيُّ هَذِهِ اللَّيْلَةَ تُطْلَبُ نَفْسُكَ مِنْكَ فَهَذِهِ الَّتِي أَعْدَدْتَهَا لِمَنْ تَكُونُ(لو 12: 20
ومعنى ذلك أنَّ من يجمع لنفعه دون غيره ليس غنيّاً في نظر الله
عندما يقول ربُّنا يسوع المسيح: مُسْتَحِقٌّ أُجْرَتَهُ (لو 10: 7
لم يكن يَعني أيّاً كان، لأنه يضيف الى ما سبق مَن يعمل لمعاشه
والقديس بولس يوصينا بالشغل، وبعمل الخير بأيدينا، فالشغل فرضٌ علينا
فلا واجب الصلاة، ولا حُجَّة الراحة مما يعفينا من العمل المجهد، بل يحثُّنا على المزيد من الكدِّ حتى يُقال عنّا ما قيل عن القديس بولس قضى عمره
-فِي تَعَبٍ وَكَدٍّ. فِي أَسْهَارٍ مِرَاراًكَثِيرَةً. فِي جُوعٍ وَعَطَشٍ(2كو 11: 27
وليس الدافع الى واجب الشغل هذا حاجة جسمنا الى الراحة بل واجب المحبة الأخويّة
لأنَّ الله يريد أن نعاونَ بتعبنا على بقاءَ مَن هم دوننا قوة، كما كان القديس بولس يفعل.
 
مقالات لقديسين القديس باسيليوس