أنت هنا

 
 
مريميات الشهر المريمي - العذراء في شهر آب .
 
 

الموضوع  الخامس: علاقة مريم بالكنيسة.

 

الكنيسة اي جسد المسيح، جماعة المومنين، تربطهم علاقة وثيقة بمريم، هذه العلاقة تكون على مستويات ثلاثة:

١) مريم شفيعة الكنيسة.
٢) مريم نموذج للكنيسة.
٣) مريم قدوة للمؤمنين.

 

١) مريم شفيعة الكنيسة.

تشترك مريم في شفاعة يسوع المسيح والرّوح القدس، كما رأينا سابقا في اللقاءات الاولى. هذا الاشتراك هو مميّز. فالمسيح والرّوح فقط يشفعان لدى الآب، غير أنَّ البشر يشتركون في شفاعتهما. فبين شفاعتهما وشفاعة البشر فرق "نوعيّ"، إذ إنّهما أساس الشفاعة. وأمّا شفاعة مريم، المتأصِّلة في شفاعتهما، في توسطها لخلاص البشر فمختلفة عن شفاعة سائر البشر، لا من حيث "النوعيّة"، بل من حيث "الدرجة"، أي أنّها تتميَّز من بينهم وتفوقهم في الشّفاعة من جرّاء علاقتها المميَّزة بالآب والابن والرّوح كما اتَّضح لنا ذلك آنفـًا.
فاختيار الآب لها وتجاوبها معه يشركانها في حنان الآب للبشر وعطفه عليهم واهتمامه بهم، فضلاً عن اتِّحادها المميَّز بابنها وهو يُشركها إشراكًا مميَّزًا في شفاعته عن يمين الآب. ثمَّ إنّ كونها عروس الرّوح الذي يشفع في المؤمنين يوحِّدها بصفة خاصَّة بشفاعته.

ونودُّ إظهار أساس شفاعتها هذه من منطلق مشهدَين من الإنجيل بحسب يوحنّا حيث الحديث عن "أمِّ يسوع" في بدايته أثناء عرس قانا الجليل (2/ 1-12) وفي نهايته عند الصّليب (19/ 25-27)، وفي ذلك قصد أرادَه يوحنّا.

ففي عرس قانا الجليل، تدخَّلت مريم من تلقاء نفسها لتتوسَّل من أجل المدعوِّين، فأجابها يسوع: "ما لي ولكِ، أيّتُها المرأة، لم تأتِ ساعتي بعد". إنَّ يوحنّا يُظهر دائمًا يسوع مبادِرًا إلى القيام بالمعجزات – "الآيات" على حسب تعبير يوحنّا – ولا يقبل أن يتدخَّل أحد (يو 4/ 47-48)، على خلاف ما يُظهره الإنجيليّون الإزائيّون. فتعبيرًا عن حرِّيَّته الكاملة تجاه أمّه، أجابها: "ما لي ولكِ". ثمَّ وضَّح لها أنَّ ساعته لم تأتِ بعد. فما هي هذه "الساعة"؟

إنَّ "ساعة" يسوع هي ساعة الصّلب المجيد (يو 12/ 23، 27، 13/ 1، 17/ 1، 7/ 30، 8/ 20). ففي هذه "السّاعة"، إذ "هناك عند صليب يسوع، وقفت أمُّه". في هذه الساعة – لا في ساعة عرس قانا الجليل – كلّف يسوع نفسه أمَّه ولم تكلّف هي نفسها مثلما فعلت في عرس قانا الجليل – بأن تتشفّع من أجل يوحنّا عندما قال لها: "هذا هو ابنكِ".
فلو قصد يسوع الاطمئنان على مصير، أمِّه، لوجَّه كلامه إلى يوحنّا أوّلاً موصيًا إيَّاه: "هذه هي أمُّكَ"،
ولكن يسوع وجَّه كلامه إلى أمِّه أوّلاً، قاصدًا من خلال ذلك تكليفها برسالة الشفاعة تجاه يوحنّا، ومن خلال يوحنّا تجاه الكنيسة جمعاء.
هذا هو أساس شفاعة مريم وهي شفاعة فريدة من نوعها ضمن "شفاعة القدِّيسين"، مبنيَّة على تكليف خاصّ من يسوع. وقد قبلت مريم أن تحوِّل أمومتها من شخص يسوع إلى تلاميذ يسوع، فأصبحت فعلاً "أمَّ الكنيسة". ولقد تغنَّى اللاهوتيُّون والرّوحانيّون بشفاعة مريم هذه. وأوّلهم يوحنّا اللاهوتيّ الذي يضع على لسان يسوع تسمية أمّه في قانا الجليل وعند الصّليب – "المرأة"، وهي تسمية تعظيم وتبجيل لها: فكما أنَّ حوَّاء هي "امرأة" (بالعبريّة: "إيشا"، والرّجل "إيش")، فمريم هي "المرأة" التي تسحق رأس الحيَّة وتصيب عقبه، وذلك بفضل ابنها يسوع وهو ذرِّيَّتها (تك 3/ 15). وهي "حوّاء الجديدة"، فأمّا حوَّاء الأولى فقد جلبت الموت على أبنائها، وأمّا حوّاء الثانية فبفضل ابنها المخلّص جلبت عليهم الحياة. هي "أمُّ الأحياء" حقـًّا (إبيفانيوس)، فحلّت بإيمانها ما عقدته حوّاء بمعصيتها (إيريناوس). هي "أمّ جميع الذين يعيشون بمقتضى الإنجيل" (نياس، أسقف أنقرة).

وهنالك عدّة تعابير وألقلب تعطى لمريم ارتباطًا بابنها يسوع، ليس من حيث النوعية بل الدرجة. ينبغي لفت النظر إلى هذه التعابير، التي قد تبدو متطرِّفة، إذ تُطلق على مريم ما يخصّ يسوع وحده. فهو وحده المخلّص والوسيط والشّفيع. وإن قيلت هذه الصّفات في مريم، فإنّما اقتباسًا من خلاصه ووساطته وشفاعته... نأخذ على سبيل المثال لا الحصر ما يلي:
- "سبب الخلاص لذاتها وللجنس البشريّ بأسره" (إيريناوس).
-:"ستخدمين خلاص كلِّ الناس لكي يتمّ بواسطتِكِ قصد الله الأزليّ" (يوحنّا الدمشقيّ).

(يتبع ...).

 

المطران د. يوسف متى