أنت هنا

تاريخ النشر: 
السبت, أبريل 25, 2020 - 11:55
 
من هو "البستانيّ" الذي ظهر فجر "ذلك اليوم"؟... "رحلة كتابيّة" سريعة
 
 
بقلم الاخ توفيق ناصر (خريستوفيلوس)
 
بعد صخب وضوضاء الأيام الماضية في أورشليم، هدأت النفوس وخَيّمَ الصمت والهدوء والسكينة أخيراً على الأجواء، وتحديداً على "جبل الجلجلة"، وعلى بستان قريب منه حيث "قبر جديد"، فيه أُضْجِعَ جسد "مُعلّم" حُكِم عليه بالموت صلباً، وكانت علّة صلبه مرفوعة على صليبه، تقول "يسوع ملك اليهود" (متى 27: 37)، وقد قرأها كثيرون "لأن موضع الصلب كان قريباً من المدينة" (يو 19: 20)... كان الرجل قد إعترف ب"مسيحانيّته" وب"مُلْكِهِ"، فنال بذلك حُكم الموت صلباً. أذاقه جلادوه كل أصناف العذاب، و"مثل شاةٍ سيق إلى الذبح... وهو لم يفتح فاه" (إش 53: 7)، و"في عطشه سقَوه خلاً" (مز 69: 21)، و"إقتسموا ثيابه فيما بينهم وعلى قميصه إقترعوا" (يو 19: 23-24)، و"ثقبوا يديه ورجليه وأحصَوا كل عظامه" (مز 22: 16)... فأصبح كلّه جرحاً واحداً، من أعلى رأسه إلى أخمص قدمَيه. لكنه قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة، تَلَفَّظَ بعبارة "عجيبة" طلبَ فيها إلى أبيه المغفرة لصالبيه، ثم إستودع روحه بين يدَي أبيه...
 
في صبيحة "اليوم الأول من الأسبوع" (الثالث على تلك الأحداث)، قصدت بعض النسوة قبر "المُعلّم" بهدف إكمال عمليّة تطييب جسده المائت (بحسب عادات تلك الأيام)، وهُنَّ ممن تبعنَهُ وخدمنَهُ خلال كرازته الثلاثيّة السنوات. وبعضهنّ شاهدنَه مرفوعاً على الصليب، وشهدنَ موته ودفنه في ذلك "القبر الجديد"... إلا أنهنّ وجدنَ الحجر مُدحرَجاً عن باب القبر، والقبر فارغاً إلا من لفائف الأكفان. وقف إزاءهنّ شاب عليه ثياب برّاقة، وبادرهنّ بثلاثة: (1) سؤال "لِمَ تبحثنَ عن الحيّ بين الأموات؟"، (2) تأكيد"ليس هو ههنا، فقد قام كما قال"، و(3) إرسال "إذهبنَ وقلنَ لتلاميذه ولبطرس...". إنذهلنَ لهذا الكلام، وخرجنَ من القبر خائفاتٍ (مر 16: 1-8)...
 
إلا أن إحداهنّ بقيَت عند القبر تبكي إختفاء جسد "المُعلّم"... فبادرها فجأةً رجل وسألها عن سبب بُكائها وعمّن تطلب (يو 20: 11-18)... وبعد أن أجابته بما أجابته، ناداها بإسمها "مريم". فتعرّفت فوراً إلى ذلك الصوت الذي سمعته سابقاً مرّاتٍ ومرّاتٍ. إنه صوت ذو بُعدٍ إلهيّ لا يخُصّ إلا شخصاً واحداً:
 
* إنه هو نفسه، "رابوني" الذي جاءت مريم تبحث عنه "جثةً هامدةً"، فإذا هو حيٌ أمامها، يناديها بإسمها (الراعي الصالح ينادي خرافه بإسمها).
 
* هو نفسه الذي "أخرج منها سبعة شياطين" (لو 8: 2)، مُنقِذاً بذلك "الخروف الضال" (لو 15: 3-7).
 
* هو نفسه الذي سمعته الجموع الغفيرة يكرز في "طول وعرض" المدن والقرى والمجامع.
 
* هو نفسه الذي كان يجلس ويأكل مع الخطأة والعشّارين والمُهمّشين، لأنه جاء من أجل "المرضى" لا من أجل "الأصحاء" (متى 9: 11-13)، فأثار بذلك سخط "مرضى العبوديّة للشريعة".
 
* هو نفسه الذي شفى العُميان وأبرأ البُرص وأقام المُخلّعين وأحيا الموتى، وكلّها آيات (علامات) تُشير إلى حلول "ملكوت الله" بين البشر. مع ذلك، لم يتعلّم مُعظم سامعيه قراءة "علامات الأزمنة" (متى 16: 3).
 
* هو نفسه الذي إرتضى أن يكون "سامريّاً رحيماً"، ليُبلسِم جراح الجميع دون تمييز (لو 10: 25-37).
 
* هو نفسه الذي كان يُجري آياته على مدى الأيام، بما فيها يوم السبت، لأنه هو "ربّ السبت"، ولأن "السبت جُعل لأجل الإنسان وليس العكس" (مر 2: 27-28).
 
* هو نفسه الذي أطعم وأشبع الجموع في البريّة (مر 6: 35-44)، كما أطعم الله قديماً شعبه في بريّة سيناء.
 
* هو نفسه الذي زجر العاصفة في البحيرة فهدأت (مر 4: 35-41)، وأظهر بذلك سلطانه على الطبيعة.
 
* هو نفسه الذي تعرّض لتجاربنا البشريّة قبل بدء كرازته، فإنتصر عليها وأعطانا قدوةً بذلك (متى 4: 1-11).
 
* هو نفسه الذي رحم ولم يُرِد أن يُدين، بينما آخرون حملوا سوط الدينونة بوجه غيرهم (يو 8: 3-11).
 
* هو نفسه الذي كان قريباً من الناس، إذ إنه أتى من لدن الآب لإعادة وصل ما إنقطع بين الخالق والخليقة.
 
* هو نفسه الذي أوصى بمحبّة الأعداء (متى 5: 44) و(لو 6: 27-38)، وغفر لصالبيه من أعلى الصليب (لو 23: 34)، فقلب بذلك الموازين البشريّة إلى الأبد.
 
* هو نفسه الذي أعطى الشريعة قديماً، فرُفع على الصليب بإسم الشريعة.
 
* هو نفسه "الذي أنقذ الفتية من الأتون، لمّا صار إنساناً تألّم كمائت. وبالآلام ألبس المائت جمال عدم الفساد، وهو وحده المُبارَك الفائق المجد، إله آبائنا" (من قانون "سَحَر القيامة").
 
* هو نفسه "الزارع الذي خرج ليزرع" (لو 8: 4-15)، إذ إنحدر من السماوات ليُلقي علينا كلام الحياة الأبديّة... وهو نفسه الذي "رمى الشبكة" ليصطاد البشر إلى ملكوته، وأوصى تلاميذه بأن يكونوا "صيّادي بشر" (متى 4: 19).
 
* هو نفسه الذي أشار إليه يوحنا المعمدان واصفاً إيّاه ب"حمل الله الرافع خطيئة العالم" (يو 1: 29)، و"العريس الذي يفرح صديقه لفرحه" (يو 3: 29).
 
* هو نفسه الذي أنبأ عن آلامه وموته فداءً عن البشر أجمعين، ولكن أيضاً عن قيامته في اليوم الثالث "فاتحاً لنا أبواب الفردوس، ومُعتِقاً الجميع من الجحيم" (من قانون "سَحَر القيامة").
 
* هو نفسه الذي "أتى إلى خاصته، وخاصته لم تقبله" (يو 1: 11)، بل وجد في قائد المئة الوثنيّ "إيماناً لم يجد نظيره في إسرائيل" (متى 8: 10) و(لو 7: 9)، وإستقبله السامريّون "فأقام عندهم يومين" (يو 4: 40).
 
* هو نفسه الذي أعاد الفرح إلى "عرس قانا الجليل" (يو 2: 1-11)، بتحويل الماء إلى خمر "تُفرّح قلب الإنسان"، وهو الذي سيُحوّل الخمر إلى دمه الخاص ليلة آلامه، فيكون لنا "شراباً ملكوتيّاً لغفران الخطايا وللحياة الأبديّة".
 
* هو نفسه الذي كان يُعلِّم بسلطانه الخاص، عكس باقي "المُعلّمين". فقد كان يُعلن "قيل لكم... أما أنا فأقول..." (متى 5: 38-48). وهو نفسه الذي أعلن أن "هذا الجيل لن يُعطى آيةً سوى آية يونان، وههنا أعظم من يونان" (متى 12: 39).
 
* هو نفسه الذي كان يُعلن هويّته الإلهيّة قائلاً "أنا هو القيامة والحياة" (يو 11: 25)، "أنا هو نور العالم" (يو 9: 5)، "أنا هو الطريق والحقّ والحياة" (يو 14: 6)، "أنا هو الراعي الصالح" (يو 10: 11)، وهو نفسه الذي قال "قبل أن يكون إبراهيم، أنا كائن" (يو 8: 58).
 
* هو نفسه بِرْكة "بيت حسدا" ("بيت الرحمة") الحقيقيّة الآتية من لدن الآب (يو 5: 1-15)، و"بئر يعقوب" الحقيقيّ و"نبع الماء الحي" الذي يُحيي كل من عَطِشَ إلى الملكوت (يو 4: 12-14)، و"بِرْكة سلوام" الحقيقيّ (يو 9: 7-11)، لأنه "المُرسَل" بإمتياز من الآب.
 
* هو نفسه "المولود ملك اليهود" (متى 2: 2) الذي حاول هيرودس القضاء عليه "في المهد"، لأنه خاف على مُلكه... وهو نفسه "ملك اليهود" الذي صُلب في محاولة للقضاء على "مُلكه الذي هو أساساً ليس من هذا العالم" (متى 18: 36).
 
تلك هي هويّة "البستانيّ"... "المُعلّم" الذي مات مصلوباً، ودُفِنَ في "قبر جديد"، وإعتقد الجميع أن "قصّته" إنتهت عند هذا الحدّ... لكنه قام "في اليوم الثالث كما سبق وأعلن"، إذ إن الموت لم يستطع تجفيف "نبع الحياة"، والجحيم لم يقدر أن يبتلع "الملك الذي عرشه السماوات، والأرض موطىء قدمَيه"، والظلمة لم تستطع حجب من هو "نور من نور"... بعد قيامته، ظهر ل"مريم الأخرى" (والدة الإله) ولمريم المجدليّة، وكذلك لتلاميذه مُثبّتاً إيّاهم بالإيمان. وبقيامته، عاد الفرح إلى الخليقة بأسرها، وفتِحَت أبواب الفردوس من جديد، وأُعتِق "آدم وحوّاء". ولم يعُد الصليب علامة لعنة، بل أصبح طريقاً إلى الخلاص... وبقيامته أخيراً، "ها إنه قد صنع كل شيء جديداً" (رؤ 21: 5).
 
"المسيح قام من بين الأموات، ووطىء الموت بالموت، ووهب الحياة للذين في القبور".
 
 
 
توفيق ناصر (خريستوفيلوس)
 
 
 

 

وسوم: