أنت هنا

تاريخ النشر: 
الجمعة, أبريل 17, 2020 - 15:10
 

سيادة المطران يوسف متى يقول أسبوع التجديدات هو لتجديد الإنسان مع حياته

 

صرح سيادة المطران يوسف متى مطران الملكيين الكاثوليك في الجليل، أنه نظرا للظروف التي نجتازها، وحفاظا على سلامة الجميع، وتقيدا بالتعليمات الوزارية، فقد أقيمت الصلوات بحسب البيان الذي صدر عن دار المطرانية، بحيث يقيم الكاهن الصلوات مع عدد محدود جدا من المصلين أو المرتلين، وذلك في جميع رعايانا، من خلال نقل الصلوات بالبث المباشر، عبر وسائل التواصل، إلى بيوتنا، وهي الكنائس الصغرى، لكي نشارك كلنا بصلوات أسبوع الآلام وفرح قيامة يسوع المسيح في الأيام الثلاثة الأخيرة. وبالتأكيد ليس من السهل أن تصلي وتفرح وتقيّم هذه الرتب، وترى الكنيسة أمامك فارغة. وهذا لا يجعلنا ندخل بأي نوع من الألم أو الخوف أو الاكتئاب، لأن الهدف كان ساميًا، ولذا كانت صلواتنا عبارة عن مشاركة في كلمة الله بالرغم من البعدين الجغرافي والزمني اللذين فرّقا بيننا، ولكن كلمة الله، يسوع المسيح المتجسد، يجمعنا دائما للصلاة، ولمشاركة بعضنا بعضا فرح القيامة. 

وكان سيادته يتحدث في مقابلة خاصة أجراها الزميل نبيل أبو نقولا، مدير البرامج في راديو مريم الناصرة، مع سيادته. وردا على سؤال حول تفاعل المصلين مع كلمة الله، والذين يتابعون الصلوات عبر وسائل الإعلام، قال سيادة المطران متى، هذا الأمر لم يكن متوقعا، لأن عدد المشاهدات على صفحاتنا الشخصية، وعلى وسائل التواصل كانت كثيرة جدا. وكانت الرعايا تعلن عن موعد البث عن طريق المواقع. ونحن استفدنا من خلال هذا البث بمشاركة موقع الأبرشية الرسمي الذي بدأنا العمل به قبل نحو شهر ونصف تقريبا، وعن طريقه عرضنا لصلوات كل الرعايا على نفس الموقع، ويدخل المشاهدون للمشاركة، هذا عدا عن الصفحات الخاصة لكل كاهن. ولاحظنا التجاوب الكبير لمشاهدة هذه الصلوات، ونواجه الوضع بقوة يسوع، الذي أعطانا هذا الفرح. ولا ننسى التعليقات الرائعة التي كانت تصلنا بعد الصلوات، ومنها ما شجعنا على مواصلة الصلوات، وقال بعضهم، إننا شعرنا بالصلاة فعلا هذا العام، لأن الجميع كانوا يتابعون ويشاركون، ويتأملون بتركيز في كلمات الصلوات الرائعة التي نرفعها في كل مرة. وهذا يدعونا للتفكير بأن ننقل صلواتنا، بعد اجتياز الأزمة الحالية، عن طريق مواقع التواصل، للأشخاص الذين، لسبب معين، لا يستطيعون المشاركة بالصلاة. ونأمل أن نور القيامة الذي دخل بيوتنا ينير مسيرتنا وعلاقتنا بالسيد المسيح. ولا ننسى أن الكنيسة هي البيت الذي أجتمع فيه مع عائلتي الكبيرة، وهي رعيتي وأفراد عائلتي حتى أصلي، ويحدث لدي الرجوع إلى العلاقة الحقيقية مع الكنيسة. فالكنيسة هي ليست الكاهن ولا المبنى، بل نحن الذين كنا مجتمعين حول كلمة الله في بيتنا الصغير، نجتمع في بيت الله الكبير الذي هو الكنيسة، وجسد المسيح. هذه الكنيسة هي الأم التي ترشد وتعطي ما هو لخلاص الإنسان.

وأجاب سيادته على سؤال عن مرحلة ما بعد القيامة، نعيش أسبوعا كاملا، يُعرف بأسبوع التجديدات. فلماذا سمي بهذا الاسم وما هي أهمية هذا الأسبوع؟ قال سيادته، أسبوع التجديدات يأتي ضمن عدة أسابيع تلي أحد القيامة الذي هو عيد الأعياد وموسم المواسم، وكذلك اليوم الجديد. ولكي نشرح معناه ينبغي القول إن هذا الزمن الممتد من أحد القيامة على أحد العنصرة هو خمسون يوما، ولذا نسميه الزمن الخمسيني. وكالزمن الذي يسبق عيد القيامة احتفلنا بزمن التريوذي، أو الآحاد الثلاثة التحضيرية، وبذلك يصبح عددها عشرة أسابيع حتى نبلغ فرح الاحتفال بقيامة المسيح. فالزمن التالي هو زمن الخمسين يوما، ويأتي تحضيرا لفرح القيامة وبلوغ نور المسيح الذي يرافقني حتى الوصول على كمال هذا النور بالحياة الأبدية، وهذه مسيرة سنوية. نقول في صلاة الهجمة لنأخذ النور من النور الذي لا يغرب، وهو نور المسيح وقد بزغ من القبر. القبر الذي هو رمز الموت أصبح رمز الحياة الجديدة. وهكذا يصبح هذا الزمن المقسم إلى عدة أقسام يمتد على مدى سبعة أسابيع. وهي ذات الفكرة الواردة في العهد القديم، سبعة أسابيع للتجديد نجدها أيضا في الأعياد اليهودية، وهو زمن تجديد كل شيء ويسمى (شفوعوت) فيجدّدون الأرض وحياتهم كلها عن طريق الفصح او العبور، الذي هو رمز لهذا الانتقال من أرض العبودية إلى أرض الحرية، ومن الظلمة إلى النور. وهكذا زمن الخمسين يمتد على مدى عشرة أسابيع، وإذا أضفننا عيد الجسد وهو عيد جميع القديسين، فهذا يدخلنا إلى مرحلة جديدة في حياتنا حتى نبلغ القمة في السنة الطقسية. وموسم المواسم الذي يبدأ من أحد القيامة ولمدة أسبوع هو أسبوع التجديدات. أما أحد القيامة فهو الأحد الأول من زمن الخمسين، حتى نعيش هذا الانتصار على ضعفنا وخطايانا، وتكاسلنا في عيش الإيمان الحقيقي، ولكن تعززنا القوة لنكمل المسيرة. وكما قال بولس الرسول في رسالته إلى أهل كورنثوس، إن لم يقم الربّ فتبشيرنا باطل وكان إيماننا باطلا، وكنا أشقى الناس. ونعود إلى الظلمة التي نعيش فيها. وهذا اليوم هو بداية جديدة لمسيرة جديدة. وكما خلق الله في سفر التكوين بداية حياة "في البدء" هكذا استخدمها الإنجيل في عيد الفصح وقال "في البدء كان الكلمة". وقيامة يسوع هي خلق جديد وبداية جديدة لآدم الجديد، وهو يسوع المسيح كما يصفه بولس الرسول، كما هو تحقيق لكل النبوءات القديمة، وبداية عهد جديد مع الله تعالى بعد أن أتمّ كل شيء بيسوع المسيح. وكلمة يسوع على الصليب عندما قال "لقد تم" تعطينا نهاية عهد وبداية عهد جديد. هذا لا يعني أن نلغي من حياتنا قراءات العهد القديم. والجديد هو استمرارية لحياتنا مع الله تعالى وعلاقتنا به. 

وأكد سيادة المطران متى ردا على تساؤل بأن يعيد الله الخلق ويجدد كل شيء بالقيامة في أسبوع التجديدات، بقوله نعم. يوحنا يقول في سفر الرؤيا إن هذا أتى ليجعل كل شيء جديد. وهذا هو مفهوم أحد القيامة. أن السيد المسيح يجعل من خلال قيامته وجسده وطبيعته الإنسانية والإلهية، كل شيء جديد. كل ذلك يبدأ من الفصح ويمتد إلى أحد توما، حين يقول "طوبى لمن آمن ولم ير" فقد أعطانا نحن هذه الطوبى، الذين نعيش الإيمان حتى لو لم نر السيد المسيح قائما. ونحن نقرا في هذا الموسم إنجيل يوحنا الذي يؤكد لنا حقيقة يسوع، الذي هو الكلمة، تجسد، تألم، مات وقام وعاد إلى المجد الذي كان فيه. ويوحنا يعطينا هذه الدائرة بإنجيله عن طريق تلميذي عمّاوس أو مريم المجدلية، أو توما الرسول. وهم عدد كبير من الشهود الذين أكدوا حدث القيامة، وأنهم رأوا يسوع بأعينهم وشاهدوا علامات الألم التي هي لخلاص الإنسان. وفي أسبوع التجديدات نجدد الكنيسة من الداخل، والتراتيل والأحان ابتداء من اللحن الأول من ضمن الألحان الثمانية في الكنيسة البيزنطية. نبدل الستائر والإضاءة وتبقى أبواب الهيكل مفتوحة طيلة الأيام الخمسين، دلالة على إزالة الحاجز الذي كسره وحطمه يسوع بيننا وبين الله تعالى، ويمثل حجاب الهيكل الذي انشق، ولم يعد أي حاجز يمنعني من العيش مع الله، أو أرى الله من خلال كنيسته. وبالتالي، أسبوع التجديدات يدخلنا إلى فرح القيامة والعلاقة الحقيقية مع يسوع القائم، ونحن شهود على ذلك. وهذا يدخلنا إلى سر العماد الذي يعطيه يسوع لتلاميذه قبل أن يصعد إلى المجد الذي كان فيه. قال لهم "اذهبوا وتلمذوا كل الأمم وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس". فالمعمودية هي الحياة الجديدة في المسيح. وكانت عدة رموز مع بداية الكنيسة لتعطي معنى معينا لهذا الأسبوع، فقد كان هناك نور يبقى مضاء طيلة الأسبوع، وحاضرا في الكنيسة، وقد اشعلناه في سبت النور، ومنه نضيء كل شمعة في الكنيسة، أو إذا أشعلنا أي شيء آخر فيها. وهذا دليل على استمرار النور المستمد من قبر المسيح. ورمز آخر، وهو تجديد عهد المعمودية باسم يسوع المسيح. وكان الموعوظون في هذا الزمن يرتدون الثوب الأبيض على الدوام، لأنهم أخذوا التبشير وتعرّفوا على يسوع، وفرح القيامة. وهذا الأسبوع هو استمرار لأحد القيامة الذي هو اليوم الثامن، أي أنه يتخطى الزمان ويتخطى المكان. لذلك هذا التجديد يفوق إدراك العقل البشري، وهذا هو سر الفداء الذي نعيشه في الكنيسة. السيد المسيح يفتدي البشرية ويجعل كل شيء جديدا من خلال سر المعمودية ويخلق الإنسان روحيا من جديد، وبعدها سر التثبيت وهو حلول الروح القدس على التلاميذ ويختم الزمن الخمسين. 

وأشار سيادة المطران متّى إلى كيفية أن يعيش للمؤمن هذا الواقع، وعما يحتاجه للتجديد، على ضوء ما تقدمه الكنيسة للمؤمنين. وقال، اعتدنا في الأعياد الكبيرة، كالفصح والميلاد أن نجدد بيوتنا، ونبعد القديم ونأتي بالجديد، وننظف البيت، وهكذا هو الأمر بالنسبة لحياة الشخص نفسه، داخل الإنسان وتفكيره، تجديد علاقته مع نفسه أولا حتى يتمكن من عيش إنسانيته بالشكل الصحيح. ثم يجدد علاقته بالقريبين منه ويكون قادرا بقوة المسيح ليقول، نعم أنا تعبت وقد أخطأت، وأريد تقييم حياتي مجددا، وأعيش مرحلة جديدة في حياتي، وأن أتخذ قرارا مبنيا على قناعتي، أنه لا شيء باق على الأرض، ولا شيء يمكن ان يحل محل الله أو السيد المسيح في حياتي. ونحن نرى الأوضاع اليوم، قد تكون تجربة دخلت إلى العالم حتى تعطينا تقييما جديدا لحياتنا، وستتغير أمور عديدة بحياتنا بعد هذه المرحلة، وأتمنى أن تكون التغييرات إيجابية، وتفيد الإنسان وخلاصه. وينبغي تجديد الإنسان داخليا حتى يستطيع أن يعيش قناعاته الشخصية، وعلاقته مع الآخرين، وبالتالي مع الله بالشكل الصحيح، يغير عاداته وأفكاره ومعاملته وكل ما يجعلنا نعود إلى إنسانيتنا، وحياتنا البشرية، على مثال السيد المسيح، الذي رغم كل شيء غفر وسامح وأعطى جوابا لتساؤلات كثيرة في حياة الأشخاص الذين عاشروه وعاشوا معه، وأعطى شهادة هامة للذين لم يقبلوه، وقال لهم بوضوح "أنتم في ضلال"، كان يظهر لهم الأمور بغير ما يعرفون ويفكرون. وهذا يجعل الإنسان يقف أمام مرآة ذاته ويقيّم ذاته، وربما يغيّر شكله أحيانا، وطريقة تعامله مع الأشياء المحيطة به. ونحن نرى كم أن العالم يميل نحو أمور صعبة، رغم الإيجابيات، وكم يسرق العالم منا أمورا حيوية، حتى الوقت، يسرقه منا. نعطي قيمة لحياتنا ونرتبها بشكل نقي، وأعرف أخيرا قيمة حياتي، بالشكل الصحيح، هذا هو التجديد المطلوب منا اليوم، التجديد الذي يجعلني أدخل بعلاقتي مع عائلتي الشخصية، مع زوجتي، أقيّم علاقتها معها، غير العلاقة المنزلية والمادية، وإنما ذاك الشخص الذي بذل حياته لأجلي، وأنا بذلت لأجله تضحية كبيرة، علاقتي مع أولادي، وأتذكر كما كنت في سنّهم، وعشت بعض الأزمات، وساعدني أهلي، فكم بالأحرى اليوم عندما أكون أبا أو أمّا، أتفهم الآخرين وأعيش معهم، وأبدل وأغير علاقاتي مع جيراني ومعارفي، أن آتي بالفرح والتجديد، وألا نكون كتلميذي عماوس، حيث يسوع يسير معنا ونحن لا نبصره. وعرفاه عند كسر الخبز، أي عندما أعطاهم الأسرار التي تمنحها الكنيسة، حتى تستطيع أن تعيش يسوع والكنيسة بالشكل الصحيح. والقصد ليس بالكنيسة الحجر، ولا خدامها من كهنة وغيرهم، بل كل هؤلاء. وكل شخص له دور. هذا هو التجديد الذي أتمنى وأطلب من كل أحبائنا أن يعيشوه بالشكل الصحيح، حتى يتابعوا هذه المسيرة النورانية، من نور المسيح. ويكتشفوا ذواتهم وقيمة حياتهم وأهمية الموجود بين أيدينا. نعطيها القيمة ونستعملها بالشكل الصحيح، حتى نصبح شهودا حقيقيين لقيامة السيد المسيح، ونعلن، نعم وبقوة وبدون خوف، أن المسيح قام في حياتي وفي عقلي وطريقة سلوكي وتصرفاتي، في عائلتي، غيرني وأعطاني نورا جديدا، وأفكارا جديدة، حتى أثبت بهذه المسيرة، وأبلغ بالتالي إلى برّ الأمان مع يسوع المسيح، كما وعد تلاميذه "لا تخافوا أنا معكم إلى انتهاء الدهر".

واختتم اللقاء بمنح بركة خاصة لراديو مريم الناصرة، وللعاملين فيه والمستمعين له ولكل المؤمنين في هذه الأرض المقدسة، وفي العالم أجمع.