أنت هنا

تاريخ النشر: 
الجمعة, أبريل 3, 2020 - 18:07
 
رسالة الفصح المجيد للعام 2020
"أيّها المسيح الفِصحُ الكبيُر الأقدَس، يا حِكمَةَ اللهِ، وكَلِمَتَه وقوّتَه،
أنعِم عَلَينا بأن نُشَاركِكَ أَجَمَل مُشارَكة في نَهارِ مُلكِكَ الذي لا مَسَاءَ لَه"
 
من يُوسُف 
متروبوليت عكَّا وحيفا والنَاصرةِ وسائِرِ الجَليل للرّوم الملكيِّين الكاثوليك
 
إلى قُدْسِ الآباء ِالأجلَّاء، والرهبان والراهبات العاملين في الابرشية، 
والمؤسسات والشمامسة والمؤمنين، الأصدِقاء والأحبّاء في الجليل المـُبارك من الله
 
تحيةٌ فصحيةٌ، وبعد. 
ها نحن قد شارفنا على نهاية زمنِ الصَّوم الأربعيني المقدّس، زمنِ التَّقوى والخشوعِ الذي يُهيِئُنا لأسبوع الآلامِ المقدَّسةِ والقيامةِ المجيدةِ. وفي مطلع الاسبوع القادم سنُنشِدُ معًا: "هوشَعنا في الأعالي، مُباركٌ الآتي باسم الربّ". بهذا الهتاف نعلن أولًا، أن الخلاصَ حاصِلٌ لا مَحالة، وَسَوفَ يأتينا مِنَ الربِّ يَسوع المسيح، وثانيًا أننا نقبلُ مشيئة الربِّ في حياتِنا، كَما نُعلِنُها يوميًا في الصلاةِ الربيـّــة: "لتكُن مَشيئَتكَ كَما في السماءِ كَذلِكَ عَلَى الأرضِ".
 
أحبَّائي في المسيح،
عندما أحتفل بالذَّبيحةِ الإلهيَّةِ في كنائِسِنا، وهي خاليةٌ من المؤمنين، أرجع بالذاكرة الى قداسةَ الحَبْرِ الأعظمِ فرنسيس الطوباويِّ، الذي صلّى بحرارةٍ وحيدًا من ساحةِ القديِّس بطرس حين منحَ المؤمنين بركةً إستثنائيّة، وأستذكر معكُم ما قالَه: "يبدو أنَّ المساءَ قد حلَّ منذ أسابيع. لقد اشتدَّ الظَّلامُ الدَّامسُ على ساحاتنا وشوارعنا ومُدننا، واستولى على حياتنا وملأَ كلَّ شيءٍ بصمتٍ يصمُّ الآذان". ويُضيفُ: "أبهَرَنا التَّسرُّعُ. لم نتوقَّفْ أمامَ نداءاتِك يا الله، ولم نستيقظْ إزاءَ الحروب والظُّلم المالئِ الأرض، ولم نستمعْ إلى صرخةِ الفقراءِ وصرخةِ كوكبنا المريضِ للغاية. استمرَّينا دون رادعٍ، ظانِّين أنَّنا سنحافظُ دومًا على صِحَّةٍ جيِّدةٍ في عالمٍ مريضٍ. والآن، نناجيك: "إستيقظ يا ربُّ". أنت تطلبُ منَّا ألَّا نخاف. لكن إيمانَنا ضعيفٌ، ونحن خائفون. لكن أنت يا ربُّ لا تتركنا تحت رحمةِ العاصفة. رَدِّد مجدَّدًا: "لا تخافوا" (متى 28، 5). ونحن، مع بطرس، نلقي علَيك جَميعَ هَمِّنا فإِنَّك تُعنى بِنا" (1 بط 5).
 
اختبارُ الخوفِ في ظروفٍ مماثلةٍ لهو من ضُعفِ الطبيعةِ البشريَّةِ. لكن من غير الطَّبيعي، ونحن ننتفض بقوة المسيح أمام هذا الوضع العالمي، أن نتركَ حياتنا فريسةً للخوفِ والسُّخطِ. لأنّنا نحن المعمَّدينَ قد تحرَّرنا بالإيمان والثِّقة والرجاءِ من الخوف. فلا تخافوا! لأنَّ يسوعَ معنا، هناك في وَسَط العاصفةِ. إليه نصرخُ معَ صاحبِ المزامير: "إنِّي وَلَو سلكتُ في وادي ظلالِ الموتِ، لا أخافُ سوءً لأنَّك معي. عصَاكَ وعكَّازُك هما يُعزِّيانني". إن الربَّ يعملُ معنا، ويسألُنا أن نعيشَ بإيمانٍ هذه الأوقاتِ، وأن نتَّبعَ بحكمةٍ وحَــزمٍ توجيهاتِ السّلامةِ والأمانِ، متنبّهين دائمًا لضرورة اللجوءِ إليه بثقةٍ، هو الذي لا يتركنا أبدًا، بل يسارعُ دومًا إلى حِمايَـتـِنا.
 
أود أن أشكر قبل كل شيء الطواقم الطبيّة ومن معهم، الذين يَـعتنُونَ مباشرةً وبشجاعةٍ تثير الاعجاب، بضَحايا هذا الفيروس، عدو الحياةِ البشريّةِ اللامنظور. أشكركم جميعًا على الصلوات التي تقيمونها في بيوتِكُم، الكنيسة الصغيرة. معًا نصلِّي من أجلِ بَناتِ رَعايانا وأبنائِنا، كي نكونَ بمحبَّةِ المسيحِ يسوعِ أَكثرَ قُربًا من بَعضِنا البَعض. أشكرُ من كلِّ قلبي كلِّ الاشخاص، وعلى رأسهم كهنتِنا الوَرِعين، الذين يعملون لأجل صحة وخير المؤمنين. أشكُرُ الجميعَ على أمانتِهِم وغيرتهِم على كَهَنوتِ خدمةِ المحبَّةِ الإنجيليَّة، وعلَى كُلِّ المُساعَداتِ والتَضْحِياتِ الماديَّة والمعنويَّةِ. وأدعوكم بإلحاحٍ وإِصرارٍ أبويِّيْنِ في هذه المرحلةِ، التي فيها ننتفض بوجه هذه العدوى، للتَّفرُّغِ والصَّلاةِ مجتمعين وطالبين من الله المغفرةَ عن كلِّ الأَخطاءِ بحقِّهِ، وبحقِّ القريب والذَّات خاصَّةً، وَلنضرعَ إليه تعالى كيما يباركُنا ويرافق مسيرَتَنا هذِهِ لنصلَ معًا إلى بلوغِ نورِ قيامَةِ المسيح الخلاصيَّة. 
 
أدعوكم أيضًا، إذ نحن مجتمعين معًا، صغارًا وكبارًا وشبَّانًا، أن نبادرَ إلى حوارٍ بنَّاءٍ أو إلى مشاركةِ بعضنا بعضًا ذكرياتنا القديمة عن ثَبَاتِنَا ومواجهتنا محنًا سابقةً بالايمان. إنَّها طريقةٌ ناجعةٌ لتقوية أواصرِ التَّعاون والتَّرابطِ العائليَّةِ، ونبتعد قدر الإمكان عن جلوسنا مسمَّرين قبالةَ التِّلفاز أو أمور أخرى. ومن ناحية أُخرى، تفكُّروا في الكتب المقدَّسةِ:"لأَنَّهُ حيثُما اجتمعَ اثنانِ او ثَلاثةٌ باسْمي، فأَنا أَكونُ هناكَ، في وَسْطِهمْ". وبالتَّالي تعود بيوتُنا كنائسَ لنا تمامًا كما كانت في زمن الاضِّطهاد، عالمين أنَّ الكنائسَ لا يمكنُ حدُّها بأمكنةٍ معيَّنةٍ أو حصرُها ببناءٍ معيّن يسهُلُ غلقُ أبوابهِ. ولأنَّ الكنيسةَ "جَسَدُ المسيحِ"، وهو جسدٌ حيٌّ؛ عائلةٌ من المؤمنين تتَّحدُ روحيًّا باسم المخلِّص، ولأنَّ كنيستنا حيَّةٌ، فلا يسعُنا إلَّا أن نبقى ساهرين ونشيطين روحيًّا.
 
أخواتي وإخوتي، 
"إذا كان الله معنا، فمَنْ علينا"! ولا حتَّى ذلك الڤَيروسُ الشرِّيرُ الممقوتُ. لا يمكنُ لهذا الڤيروسِ أن يمنعنَا من الاحتفال بصلوات الاسبوع المقدّس وقيامةِ ربِّنا يسوعِ المسيحِ؛ بالفصحِ المجيدِ، عيدِ الأعيادِ وموسمِ المواسمِ. سنحتفلُ بقيامةِ المسيحِ عبر البث المباشر على مواقعنا وشاشاتنا الصغيرة، لكنْ بحسبِ تدابيرِ الوزارات المختلفة والتوجيهات العامة للصحة، وبالحفاظِ على تألُّق بهاءِ احتفالاتنا الرُّوحيِّةِ. حتَّى إبَّانَ عمقِ عزلتنا ووحدتنا، يبقى حدثُ القيامةِ التي يرتكز عليه إيمانُنا، عظيمًا ومجيدًا. فقد أكدّ القديس بولس بقوله: "إن كان المسيح لم يقم، فكِرازَتُنا إذن باطِلَة، وإيمانُكُم أيضًا باطِل". فيقودُنا إيمانُنا هذا إلى تغييرٍ أصيلٍ وجذريٍّ، ويعبُر بنا نحن الخطأةَ من حالةِ العبوديَّةِ والآلامِ والموتِ إلى حالةِ بنوَّةِ القيامةِ والخلاصِ؛ ثمرةِ نعمةِ قيامةِ المسيح.
 
وفي الختام، أصلي معكم وأقول: 
اللَّهُمَّ اجعلْ قيامةَ المسيحِ شفاءً حقيقيًّا لعالمنا الْكَرِبِ الجريحِ. اللَّهُمَّ قوِّي وعزِّز وأَيِّد وبارِك كنيستَنا وأبرشيَّتَنا ورعايانا وعائلاتِنا وآباءَنا وأُمَّهاتِنا وأولادَنا. بارِك وأشفِ اللهُمَّ جميعَ المرضَى والمتعَبين الملتَجئِين الى حَنانِك العَظيم. اللَّهُمَّ ساعدْ مجتمعَنا ليستقبلَ الصَّلاحَ والخيرَ، ويرذلَ الشرَّ ويمحيَ كلَّ الخلافاتِ والإنقساماتِ، ويختارَ طريقَ الغُفرانِ والمصالحة، طريقَ الوحدةِ والشَّراكة فيما بيننا ومعك أيُّها القديرُ، ويتَّبعَ طريقةَ حياةٍ جديدةً، حياةِ بُشرى الإنجيلِ السَّارَّةِ، حياةِ القيامةِ والملكوتِ. لِيَكُنْ هذا العيدُ مجيدًا للجميع وللعالم بأسرهِ.
 
حفِظَكُم الله من كلِّ شرٍّ، ووهبَكُم صَفاءَ الفرحِ والسلامِ وقِمَّة النَّجاح، ومنحَكُم حياةً مديدةً ملؤها الصِّحَّة. ولِيحْمِيَنا اللهُ وَلْتَحْفظَنَا أُمُّهُ القدِّيسةُ مَرْيَمُ الْعَذْرَاءُ تَحْتَ سِتْرِ كَنَفِهَا، فَلَا تَنْسَانَا. آمين.
 
"نسجُدٌ لالآمك أيها المسيح، فأرنا قيامتك المجيدة".  كل عام وأنتم بألف خير.