أنت هنا

تاريخ النشر: 
الاثنين, يوليو 20, 2020 - 22:31
 

راعي الأبرشية يترأس القداس الإلهي بعيد مار إلياس

احتفل سيادة المطران يوسف متّى، راعي الأبرشية العكاوية بالقداس الإلهي في دير ستيلا مارس على جبل الكرمل بمناسبة عيد مار إلياس. وترأس سيادته هذا القداس بمعاونة كل من الإيكونيموس إلياس العبد، النائب الأسقفي العام، الإيكونيموس إلياس ضو، الإيكونيموس إميل روحانا، الإيكونيموس وليم أبو شقارة، الأرشمندريت أغابيوس أبو سعدى والأب رامي حجار. وخدمت القداس جوقة الترنيم الكنسي التابعة لكاتدرائية مار إلياس في حيفا.

ومن عادة الكنيسة الملكية الكاثوليكية في الجليل إقامة مثل هذا القداس في كنيسة سيدة الكرمل، في دير ستيلا مارس على جبل الكرمل. 

وتم نقل وقائع القداس الإلهي في كل من تلفزيون نور سات/ تيلي لوميير، إحنا تي في، راديو مريم الناصرة وراديو مكان.

وقال سيادة المطران متّى في عظته: 

 "نحتفلُ أيها الأحباء اليوم، كما في كل عامٍ ومن هذا المكانِ المقدّس، بعيدِ النبي مار الياس. وقد اعتدنا على تسميته "مار الياس الحيّ"، كأنه لم يمت، بل صعدَ بحسبِ الكتابِ المقدس (سفر الملوك) إلى السماءِ على غمامةٍ نارية، وهو لا يزالُ حيّاً ينتظرُ المجيءَ إلى الأرضِ كما وَعدَ السيدُ المسيح، له المجد... إنه السابقُ الذي يهيّئُ عودةَ الشعبِ إلى الإيمانِ بالإلهِ الحيّ. إنه يوحنا المعمدان بروحِ إيليا النبي. إنه السابقُ الثاني لمجيءِ المسيحِ يهيّئ عودةَ الربِّ يسوع، آتيًا على سحابِ السماء. هذا ما شَهِدَ عليه لوقا الإنجيلي كما سمعناه، إنه المُرسَلُ من الله ليُمهّدَ طريقَ الأممِ للخلاص، هذا ما شهدناه في معجزةِ أرملةِ صرفت صيدا وشفاءِ نعمانَ السوري.

إنه النبي الذي يمثّل الغَيرةَ الحقيقيةَ والعملَ الإلهيَّ في وسطِ شعبِ الله. وبهذا فإننا نؤوِّنُ – أي نجعلَ الزمنَ الماضي حاضرًا اليوم، نؤوّنُ ما فعله النبيُ الياس لنسمعَ صوتَه يقول: "حيٌّ هو الربُّ الذي أنا واقفٌ أمامَه". نعم. حيٌّ هو ذلك الذي عاشَ بيننا وماتَ وقامَ، وأعطانا كما أعطى إيليا الحياةَ الأبدية. 

قال النبي إيليا: "اقتربوا مني"، فاقترب الناسُ منه، فرَمَّمَ إيليا مذبحَ الربِّ الذي تهدّمَ... هكذا كان النبي إيليا: رسولاً للتجديدِ وللحضورِ الإلهيِّ الفعليِّ الحقيقيِّ في وسطِ شعبِهِ المائلِ إلى عباداتٍ غريبة. وعلى مثالِه اليوم نحن نجدّدُ مذبحَ الربِّ في هذه البقعةِ المقدّسةِ، وهذه الأبرشيةِ، لنشهَدَ للمسيح، وللمسيحِ وحدَه دونَ سواه، أنه هو أساسُ دعوتِنا وحياتِنا وعملِنا الرعويِّ في هذه الأرضِ المقدّسة.

كان مار الياس هذا، الصوتَ الصارخَ في برّيةِ يهوذا، في زمنٍ رديءٍ، اختلطَت فيه عبادةُ الإلهِ الحيِّ بآلهةٍ غريبةٍ، جعلَت الانسانِ غريقًا في بحرٍ من الظلامِ واليأسِ والمصالحِ الشخصية. وعلى الرغمِ من هروبِهِ ويأسِهِ، أُرسِلَ هو بالذات حاملًا للشعبِ كلمةَ اللهِ وقوّتَه. إن تصرّفَ إيليا لهو إنسانيٌ جدّا، بسيطٌ وواقعيٌّ إلا أنه يعتمدُ على حضورِ الله في داخلِهِ. هو هذا الوترُ المشدودُ في أزمنةِ الاسترخاءِ والانقيادِ لشعائرَ وعاداتٍ شوّهت صورةَ اللهِ في كيانِ الإنسان. عَزَفَ إيليا كلمةَ اللهِ على قلوبِ الناسِ وبقيَ صوتُ النبوّةِ فيه صدّاحًا في كلِّ مناسبة. وكان اللهُ يعملُ فيهِ ومن خلالِهِ بقوّة. 

إنه ابنُ هذه البقعةِ المقدّسة، ابنُ مدينةِ "تشبّه / تِشبي" شرقي الأردن. وكما وصفَهُ التقليدُ المقدّسُ، عاشَ كرجلٍ يتّسمُ بالصلابةِ والشجاعةِ وقوةِ الاحتمالِ، يألفُ حياةَ الجبالِ. كان قصيرَ القامةِ، نذيرًا لله. وكان ظهورُهُ نبويّا في أيامِ الملكِ آحابَ وزوجتِهِ إيزابيل، لكي يكونَ صوتَ الحقِ والضميرِ أمامَ ظُلمِ العالمِ لفقراءِ الروحِ، وأمامَ تعدّياتِ السلطةِ على حياةِ الإنسانِ، كلِّ إنسانٍ مهما كانت ظروفُهُ، إنه رسولُ العدلِ الإلهيِّ والضميرِ الحقيقيِّ ليدافعَ عنه.

عملَ بجُهدٍ ليكونَ صورةً للمسيحِ الرحيمِ المحبِّ المزمِعِ أن يأتيَ ليخلّصَ كلَّ بشرٍ. أمطرَ البركاتِ على الناسِ، أطعمَ الجياعَ، وكثّرَ القمحَ والزيتَ، وأقامَ ابنَ الأرملةِ، نادى بسنةِ الربِّ المقبولةِ أمامَ آلهةِ البعلِ ودافعَ عن الإيمانِ حتى النَفَسِ الأخيرِ... 

مِن أقوالِهِ المشهورةِ: "إلى متى تعرّجونَ أيُّها الرجالُ إلى هنا وإلى هناك..."،

نعم. حتى متى نبقى نعرّجُ في مسيرةِ حياتِنا الإيمانيةِ والكهنوتيةِ والرعائيةِ. حتى متى نبقى نتلهّى بأمورٍ شوّهت فينا صورةَ الله وعملَهُ. حتى متى؟ وما العمل؟؟ وكيف نسير؟؟ 

وهنا وقفَ إيليا وقفةَ ضميرٍ، صارخًا: "يا رب خُذ نفسِي". خُذ نَفسِي يا رب وأصلِحها وقدّسها وأنمِها لتكونَ على مثالِك في المحبةِ والعطاءِ والمشاركةِ لأجلِ الناسِ. خُذ نفسي يا رب، وسرّ بها نحو ميناءِ الخلاصِ لئلّا أهربَ من هذه المسؤوليةِ التي ألقيتني فيها. 

أحبائي في الرب. 

اليومَ يسألُ اللهُ، كما سُئلَ إيليا النبي، ويقول: "لماذا جئتَ؟"... "ماذا تعملُ هنا؟" أجئتَ لتشهدَ للتغييرِ والتجديدِ؟ هل رسمتَ هدفَ خلاصِك؟

نعم أيها الاحباء، اللهُ يعملُ في ضعفِنا ولا يلغيهِ، بل يجعلُ من الضعفِ قوّةً، ومن الظلمةِ نورًا، ومن الموتِ حياةً، فلتكن ثقةُ إيليا وغيرتُهُ وعملُهُ الصالحُ طريقَنا اليوم، لكي يعملَ اللهُ معنا وفينا ولأجلنا، ولنكن نحن علامةَ حضورِهِ في وسطِنا، علامةَ انتصارِهِ على سلطانِ هذا العالم. 

كانَ أولَ من نسكَ في صحراءِ اليهوديةِ ليسمعَ صوتَ اللهِ في النسيمِ العليلِ. حتى وأن ظنّ أنه وحيدٌ في الساحةِ أمامَ تجاربِ هذه الحياةِ وثِقَلِ المسؤوليةِ التي تسلّمَها، كانت كلمةُ اللهِ إليه تقول: "لا تخف، فهنالك سبعةُ آلافِ رجلٍ لم يحنوا ركبَهم للبعلِ". هكذا هو الربُ الإلهُ الذي يقولُ لنا اليومَ: "لا تخافوا أنا معكم"، " ثقوا، أني قد غلبتُ العالم"...  

نعم. لقد كان إيليا شيخَ الأنبياءِ في العهدِ القديمِ بلا منازعٍ، ونموذجَ الغيرةِ الإلهيةِ في زمنٍ شحّت فيه عبادةُ اللهِ، فسلَكَ كلُّ واحدٍ إلى مصلحَتِهِ الخاصَّة ونسيَ اللهَ مصدرَ كلِّ الخير. 

وعلى هذا، باتَ إيليا علامةً في وجدانِ الكنيسةِ جيلاً بعدَ جيل. باتَ أيقونةً للذين يقتربون من الله جيّدًا. نحن وهؤلاء علينا أن نكونَ على غيرةٍ كغيرةِ إيليا، وعلينا أيضاً أن نكابِدَ المشاقَ في كلِ حينٍ، واثقين بقوةِ الروحِ العاملِ فينا، لنكونَ وتراً مشدودًا بالنّغمِ الإلهيّ يصدّحُ في ضجّةِ هذا العالم، ونعلنُ حضورَ اللهِ. فإذا ما ثبَتنا على النحوِ الذي سلَكَ فيه إيليا، نُعطَى أن نكون متكلِّمين بكلامِ الله، مكَمّلين بالوحدَةِ، أنبياءَ للهِ في كلِّ جيلٍ. 

نعم لا تخف أيُّها القطيعُ الصغيرُ، ففي هذه الظروفِ العصيبةِ، لتبقَ الثقةُ حاضرةً في قلوبِنا على مثالِ إيليا، لأن المسيحَ وَعدَنا أنه سيبقى، وبهذا الوعدِ نعتصمُ نحن المؤمنين، واعتصامُنا هو بالدعوةِ التي دُعينا إليها، نحن كأسقفٍ لهذه الأبرشيةِ المحبوبةِ والمحفوظةِ من الربِّ، وأنتم أيُّها الكهنةُ، كهنةُ الربِّ العليّ، وأنتم أيضّا أيها المؤمنون الأحباء. دُعينا كلُنا لنكونَ صوتَ الحقِ والضميرِ صوتَ الشهادةِ للإلهِ الحيّ في المحبةِ والمشاركةِ في القرارِ والعملِ معًا لأجلِ خلاصِ الكلِ.

في الأخير أشكرُ الله أنه جمعنا بكم عبرَ هذا البثّ الإذاعي والمرئي. ورغم الظروفِ الصعبةِ التي نمرّ بها، إلا أننا واثقون بعبورِ هذه الغيمةِ سريعًا لنعودَ ونجتمعَ بكم وجهًا لوجه، لنشكرَ اللهَ معًا على عطاياه.

أشكر من خلالِكم، كلَ الحاضرين معنا اليوم، مُتحدّينَ الصعابَ والخطرَ، إخوتي المطارنة، الكهنةَ الأحباء الحاضرين والغائبين، كهنةَ هذه الأبرشيةِ المباركةِ، وكلَ كهنةِ هذهِ الأرضِ المقدّسةِ، رئيسَ هذا الديرِ وكافةَ الإخوةِ والأخواتِ من هذه الرهبةِ الكرمليّةِ التي تصلّي وتخدم في هذه الأرض المقدّسة. كلَ مؤمنينا في هذا الجليلِ المقدّسِ، والمستمعين والمشاهدين جميعًا هنا وفي العالم. 

وأشكر بشكل خاص: تلفزيون وقناة "إحنا تي في"، على البث المتلفز وإيصاله إلى شاشة تيلي لوميير.

أشكر إدارة وموظفي تلفزيون تيلي لوميير/ نور سات على الاستعداد الدائم لبثّ كافةِ الفعالياتِ الخاصة والاحتفالاتِ بهذه الأرضِ المقدّسة.

كما أشكرُ إدارةَ وموظفي راديو مريم الناصرة راديو مكان، إدارة وعاملين، الذي أتاحَ لنا إيصالَ كلمةِ الحياةِ لكم أيها الأعزاء.

أشكر جوقة الترنيم الكنسي في كاتدرائية مار الياس في حيفا على هذا الترنيم الذي ساهم برفعنا نحو السماء.

أشكر كل من عملَ ورتّبَ لهذا الاحتفال من كهنةٍ وعَلمانيين مباركين.

هذا هو إيليا، عندنا، هو الذي يجمَعُنا اليومَ معكم أيّها الأحباء، لنسيرَ معكم على مثالِه.

هذا هو إيليا، مار الياس، معلّمٌ كبيرٌ وشيخٌ جليلٌ ومثالٌ عظيمٌ للإيمانِ والعملِ الإلهي.

كلُ عامٍ وأنتم جميعًا بكلِّ الخير، بنعمة الآب والابن والروح القدس. آمين." 

ويذكر أن الاحتفال بهذا القداس تم بدون حضور جمهور المصلين، نظرا للظروف الصحية وتفادي تفشي جائحة كورونا.