أنت هنا

تاريخ النشر: 
الجمعة, فبراير 4, 2022 - 12:55
 

أبواب التوبة (أحد الفرّيسي والعشّار)      الأب ليف جيلييه

(افتح لي أبواب التوبة، يا واهب الحياة...). هكذا ترنّم الكنيسة في صلاة سحر الأحد الأول من الآحاد الأربعة التي تعدّنا للصوم. وفي الواقع، يمكن اعتبار هذا الأحد بمثابة باب ندخل بواسطته في الفترة المقدسة التي تقودنا إلى الفصح، باب يوصلنا إلى جو التوبة، إلى حياة التوبة التي على الصوم أن يأتي بها لكل واحد منّا. لنتذكر أن كلمة (توبة) هي ترجمة للّفظة الإنجيلية اليونانية (مطانية)، وهذه تعني (تغيير الذات). الأمر إذاً يتطلب أكثر من ممارسة نوع من التوبة الخارجية: المطلوب منّا هو التغيّر الجذري، التجدّد، الاهتداء.

يحمل هذا الأحد، في التقويم الليتورجي، اسم (أحد الفرّيسي والعشّار). ولكي تحثنا الكنيسة على التوبة الحقيقية، تضع نصب أعيننا مجدداً صورة الرجلين اللذين صعدا إلى الهيكل ليصلّيا، فتبرر أحدهما بسبب تواضعه وتوبته. فمثَلَ الفرّيسي والعشّار (لوقا10:18- 14) الذي نتلوه أثناء القداس الإلهي، هو، إذا تجاسرنا على القول، أخطر الأمثال جميعاً، وكوننا متعودين كثيراً على إدانة الفرّيسية يجعلنا نجهر قائلين: (على الأقل، بالرغم من كل خطاياي أنا لست فرّيسياً. لست مرائياً). إننا ننسى أن صلاة الفرّيسي ليست برمّتها رديئة. فالفرّيسي يقر أنه يصوم ويتصدّق وأنه منزه من الخطايا الأكثر فحشاً، وكل هذا صحيح. وعلاوة على ذلك، فإن الفرّيسي لا ينتحل لنفسه كل استحقاق أعماله الصالحة، فهو يعترف بأنها واردة من الله، ويشكر الله.

إن صلاة الفرّيسي تخطئ من وجهين: ينقص الفرّيسي الندامة والتواضع، ولا يبدو واعياً للزلات، وإن كانت عرضية، التي هو كسائر الناس مذنب بها. من جهة أخرى، إنه يقارن نفسه بالعشّار بشيء من الكبرياء، بشيء من الاحتقار. لكن، هل لنا نحن الحق أن ندين الفرّيسي، أن نعتبر أنفسنا أكثر برّاً منه، إذا كنا أولاً نخرق الوصايا التي يحافظ عليها الفرّيسي؟ هل لنا الحق أن نضع أنفسنا على نفس صعيد العشّار المبرّر؟ لا نستطيع أن نفعل ذلك إلاّ إذا كان موقفنا مشابهاً لموقف العشّار. هل نتجاسر على القول بأننا نملك تواضع العشّار وتوبته؟ فإذا دِنّا الفرّيسي، دون أن نصبح نحن كالعشّار، نسقط في الفرّيسية عينها.

لننظر إلى العشّار عن قرب. إنه لا يتجاسر على رفع نظره إلى السماء. يقرع صدره. يلتمس الرحمة من الله. يعترف بأنه خاطئ. يتخذ حتى في جسده مظهر التواضع. لذلك قال المخلِّص: (إن هذا نزل إلى بيته مبروراً وأمّا ذاك فلا). وأضاف: (من رفع نفسه اتضع، ومن وضع نفسه ارتفع). لنجتهد في أن نتقصى هذه الحادثة بعمق أكثر. هل تبرّر العشّار فقط لأنه اعترف بخطيئته ووقف بتواضع أمام الله؟ في حالة العشّار شيء أكثر من ذلك. إن قلب صلاة العشّار هو التماس مليء بالثقة لصلاح الله وحنانه.

قال: (اللهم ارحمني أنا الخاطئ). الكلمة الأولى هذه (ارحمني) هي أيضاً الكلمة الأولى من المزمور الخمسين الذي هو مزمور التوبة بصورة رئيسية: (ارحمني، يا الله، بحسب رحمتك، وبحسب كثرة رأفتك امح مآثمي). يلقي اختيار يسوع لهذه الكلمات ليضعها في فم العشّار ويصنع منها نموذج صلواتنا في باب التوبة، نوراً كبيراً على مقصد المخلِّص، على نيّاته. فما يطلبه يسوع من الخاطئ النادم (إذاً من كلٍ منّا) هو بخاصة هذا الاستسلام إلى الله، هذه الثقة المطلقة في رحمته الرقيقة وشفقته.

تستنتج الكنيسة في صلاة السحر، خلاصة المَثَل الإنجيلي وتصوغ فكرة هذا الأحد الرئيسية هكذا: (أيها الرب، يا من عبت على الفرّيسي تبريره ذاته وافتخاره بأعماله، يا من برّر العشّار لما تقدّم بتواضع طالباً بحسرات غفران خطاياه – لأنك لا تقترب من الأفكار المتعجرفة ولا تعرض عن القلوب المتندمة – إننا بسبب ذلك، نجثو نحن أيضاً أمامك بتواضع، يا من تألم من أجلنا. فامنحنا غفرانك ورحمتك العظمى).

إن رسالة هذا الأحد مأخوذة من رسالة بولس الرسول الثانية إلى تلميذه تيموثاوس (10:3- 15). يذكِّر الرسولُ تيموثاوس باختصار، بكل ما كان عليه هو، أي بولس، أن يقاسيه: اضطهادات وهموم من كل نوع. يجب ألاّ يدع تيموثاوس، الذي تربى أثناء طفولته في الإيمان بالمسيح والكتب المقدسة، همته تفتر: فليثابر بمحبة وصبر. تنبهنا هذه الرسالة في عشية الصوم إلى أن المِحَنْ والأكدار لن تنقصنا خلال التهيئة المقدسة للفصح. فلنا كما لتيموثاوس، يقول بولس: (فاستمر أنت على ما تعلّمته وأتُمنت عليه متذكراً من تعلّمت منهم).

 

ناصر شقور       [email protected]