أنت هنا

تاريخ النشر: 
الأربعاء, أبريل 8, 2020 - 20:41
 

نحن أبناء القيامة

 

 

بقلم البروفيسور عماد قسيس

 

وكأننا على موعد مسبق، تأتي هذه الآية من رسالة القديس بولس الرسول إلى أهل كورنثس في قراءة اليوم .

وَلَكِن كَما كُتِب: «إِنَّ ما لَم تَرَهُ عَينٌ، وَلا سَمِعَت بِهِ أُذُنٌ، وَلا خَطَرَ عَلى قَلبِ بَشَرٍ، ما أَعَدَّهُ ٱللهُ لِمُحِبّيه». 

تمُرّ العين على هذه الجملة سريعا، والنفس في لهفة للوصول إلى نص الإنجيل الذي يتحدث عن زيارة يسوع لبيت سمعان الأبرص وحضور المرأة التي سكبت عليه الطيب وغسلت رجليه بدموع فاضت حزنا وتوبة وفرحا معا. 

كما كُتِب ؟ كل كلمة في الإنجيل يمكن أن تستفز الروح للبحث والتّأمل. "كما كتب". لا بد أن نبحث إلى أين يعيدنا بولس الرسول وهو معلم الشريعة، وماذا يريد أن نتذكّر. ها هو النص "كما كُتِب" يظهر في أشعيا ٦٤: ٤ . ولكن قراءة الآية المقتبسة بتصرّف, لا تكفي, بل يجب قراءة ما قبلها وما بعدها من النَّص في أشعيا لنفهم الجو الكتابي للآية. وهنا يبدو أن الكاتب يتحدّث عن الأوضاع التي عاشها الشعب في الآية من أشعيا ٦٤ : ٨-١١ .

"لاتغضب يا رب كثيرا، ولا تذكر الإثم إلى الأبد. أنظر إننا جميعنا شعبك. قد صارت مدن قدسك قفرا...."

ومن عمق هذا الألم والخراب يعود أشعيا ليعلن هذه البشرى قبل أن يدخل في التفاصيل.

وبولس يعلن من عمق آلام الإضطهاد هذا الرجاء, مجددا, للخيرات التي تنتظر القلب الذي ينتظر خلاص الله.

أجلسُ أمام الإنجيل والشمعة في باكورة هذا الصباح (الأربعاء ٨/٤/٢٠٢٠)، وأتساءل كيف وصلنا إلى هذا الوضع. لم نعتد نحن الذين ولدنا في عصر رخاء نسبي أن نعاين هذا النوع الغريب من الاضطهاد. كنائس مغلقه، حبس قسري في البيوت، ونوع من كمِّ الأفواه التي تريد أن ترتل عاليا "كل نسمة فلتسبح الرب، سبحوا الرب من السماوات، بك تليق الإشادة يا الله". 

هو أول موسم يمر منذ عشرات السنين ونحن لا نستطيع أن نفتح كنيسة ونجتمع للصلاة بل ولا نستطيع الاجتماع العائلي المعتاد في هذه المواسم.

ربما تصرخ النفس عاليا لماذا يا ألله، يتذمر الشعب اليوم كما تذمر الشعب الذي تاه في الصحراء يبحث عن الماء ولا يعرف بعد ما هي "حرية أبناء الله".

وإن عدنا قليلا نجد أن البشرية تتعرض من حين لآخر للضيقات. والبعض يصل للنتيجة أنْ لا إله يحمي بل ويعاير "أين هو إلهك" ، والبعض يصرخ أين أنت يا الله، وآخر يقول هذا غضب الله وعقاب الله. ولكن ماذا نقول نحن اليوم في أسبوع الآلام. 

من الطبيعي أن نشعر اليوم بنوع من الإحباط تجاه ما يحصل من أحداث محيطة ومخاوف طبيعية وقلق عام. يسوع حذَّرَ مُسبَقا أنْ ستكون ضيقات ؛ ويعلن "ليس التلميذ أفضل من معلمه" (لو ٦ : ٤٠)، ولكنه أيضا يعطي الحل  " ولكن الذي يصبر إلى المنتهى فهذا يخلص" (متى ٢٤:١٣)

والذي يعتبر نفسه من أبناء البيعة يعرف أنْ " يا إخوتي ، عندما تنزل بكم التجارب والمحن المختلفة، اعتبروها سبيلا إلى الفرح الكلّي، وكونوا على ثقة بأن امتحان إيمانكم هذا يُنتِجُ صبرا. ودعوا الصبر يعمل عمله الكامل فيكم، لكي يكتمل نضوجكم، وتصيروا أقوياء قادرين على مواجهة جميع الأحوال" (رسالة يعقوب ١: ٢-٤)؛ فكم نحتاج لهذا الصبر (المخلِّص) اليوم وكل يوم . 

أعرف شخصيا كم من الدموع تذرفها العين مساءً عندما لا تأخذني مسيرتي اليومية من العمل المضني إلى أحضان الكنيسة التي تنشد عاليا  أناشيد المسيرة الخلاصية، معلنة الفرح الآتي.

أنظرُ  إلى الصليب؛ وفي هذه الأجواء المقيتة بالذات،  يبدو أن محطات مسيرة الصليب تتعدى الأرقام والحسابات ؛ إنها تبدو مسيرة طويلة جدا، وحمل الصليب قد يبدو صعبا، نعم، ولكن أنظروا أي مجد حصل عليه مَن حَمَل صليب يسوع عندما وقع على الطريق. من منا لا يتمنى أن يكون هو الذي حمل منديل فيرونكا التي طبعت دماء يسوع على منديلها ليبقى شهادة أبدية تتمنى الملائكة أن تحظى بلحظة كهذه . 

من منا لا يريد أن يكون على خطوات يوحنا الذي يرى من أحبه متألما مهانا مصلوبا ولكنه يستمر بالمسيرة نحو الصليب. ومن منّا لا يريد أن يتبع خطوات مريم الأم الحزينة التي ترافق ولدها والسيوف تجوز في قلبها مع كل لطمة وإهانة وسياط نازلة على ظهر يسوع, وهي في صمتها وتأملها تنتظر شيئا عظيما سيحدث عمَّا قريب. 

لنتذكر أن من حمل الصليب الحقيقي عنا جميعا هو الرب يسوع. 

نعم يا شعبي؛ بعد البكاء على أورشليم سيؤول الحزن إلى فرح والهموم إلى أناشيد التسبيح.

 عمّا قليل سينتهي زمان الترقب والحزن والمخاوف والإغلاق وستشرق الشمس على الأبرار. 

"أُسَرُّ سرورا في الرّب، وتبتهج نفسي في إلهي، لأنّه ألبسَني ثياب الخلاص وشمِلني برداء البِر ، كالعريس الّذي يتعصّب "بالتّاج" ، وكالعروس الَّتي تتحلّى بزينتها ( أشعيا ٦٤: ١٠).

ها هو الفجر قد أقترب وسنرنم معا في كل مكان؛ ليس فقط بين جدران الكنائس؛ وستكون هذه المناسبة لأنْ يتحول كل بيت إلى كنيسة تنثر أوراق الغار وتعلن شارات الإنتصار .. قم يا ألله واحكم في الأرض فإنك ترث جميع الأمم. 

وستعلن بهاءك بالنور الذي لا يخبو لأنك "نور من نور" وسيأتي فجر اليوم الثامن معلنا أنك هنا حاضر معنا وأن وعدك صادق " وأبواب الجحيم لن تقوى عليها" (متى ١٦ : ١٨).

جاءت المريمات مستترات بجناح ظلام الفجر وهن خائفات يتساءلن من يدحرج الحجر؛ فماذا رأين ؟ دهشة فوق دهشة ؛ ها هو الحجر مدحرج والنور يسطع من باب القبر الفارغ، والملاك ينتظرهم والكفن ملفوف جانبا. 

إذهبوا وبشروا بطرس والرسل وجميع الناس أن يسوع قد قام .

هنا الفرح الحقيقي والرجاء الثابت لكل من يتبع المسيح . هذا هو يوم الرب العظيم الذي أعده لكل البشرية.

هذا هو   "البشرى السارة" ؛ المسيح قام من بين الأموات ووطيء الموت بالموت ووهب الحياة للذين في القبور. 

وأنتم من أنتم ، ونحن من نحن إن لم نكن أبناء القيامة. 

 ......

لمن أراد 

٨/٤/٢٠٢٠

اشعياء 64: 4

 (SVD)  “ومنذ الأزل لم يسمعوا ولم يصغوا. لم تر عين إلها غيرك يصنع لمن ينتظره”. 

 ומעולם לא have not  שׁמעו heard,  לא nor  האזינו perceived by the ear,  עין hath the eye  לא neither  ראתה seen,  אלהים O God,  זולתךbeside  יעשׂה thee, he hath prepared  למחכה׃ for him that waiteth

(KJV) For since the beginning of the world men have not heard, nor perceived by the ear, neither hath the eye seen, O God, beside thee, what he hath prepared for him that waiteth for him.

LXX)  (64:3) ἀπὸ τοῦ αἰῶνος οὐκ ἠκούσαμεν οὐδὲ οἱ ὀφθαλμοὶ ἡμῶν εἶδον θεὸν πλὴν σοῦ καὶ τὰ ἔργα σου, ἃ ποιήσεις τοῖς ὑπομένουσιν ἔλεον.

(Brenton) From of old we have not heard, neither have our eyes seen a God beside thee, and thy works which thou wilt perform to them that wait for mercy.

كورنثوس الأولى 2: 9

(SVD)  بل كما هو مكتوب: «ما لم تر عين ولم تسمع أذن ولم يخطر على بال إنسان: ما أعده الله للذين يحبونه».