أنت هنا

تاريخ النشر: 
الاثنين, مارس 9, 2020 - 21:32

البطريرك العبسيّ إلى المطران خوام في رسامته: لا تخف أن تشترك في مشقّات الإنجيل بالرّوح القدس

تيلي لوميار/ نورسات

بوضع يد بطريرك الرّوم الملكيّين الكاثوليك يوسف العبسيّ، رُسم الأب جوزف خوام متروبوليتًا فخريًّا على أفاميا ومطرانًا على إكسرخوسيّة فنزويلا ومدبّرًا رسوليًّا على أبرشيّة المكسيك، في قدّاس احتفاليّ ترأّسه العبسيّ في بازيليك القدّيس بولس- حريصا، بمشاركة لفيف من المطارنة وأعضاء السّينودس المقدّس، إضافة إلى النّائب البطريركيّ العامّ المارونيّ المطران حنّا علوان ممثًلاً البطريرك مار بشارة بطرس الرّاعي، والسّفير البابويّ في لبنان جوزف سبيتاري، ولفيف من الإكليروس، وفعاليّات سياسيّة وعسكريّة واجتماعيّة وشعبيّة.

بعد الإنجيل المقدّس، ألقى العبسّ عظة قال فيها بحسب "الوكالة الوطنيّة للإعلام": "اليوم تبتهج الكنيسة باستقبالها عروسًا يزفّ إليها اختاره الرّبّ الإله ليرعى الكنيسة الملكيّة الّتي في فنزويلا والمكسيك، خلفًا لسيادة المطران جورج كحّالة. اليوم يتهلّل مذبح الرّبّ إذ يرتبط به حبر جديد أقامه على خدمته يسوع المسيح الحبر الأعظم. اليوم نفرح نحن الأساقفة والكهنة والرّهبان والأهل والأصدقاء الحاضرون هنا بأنّ الله أنعم على الأب جوزيف خوام الرّاهب الباسيليّ الحلبيّ بسرّ رئاسة الكهنوت.

 

أنا هو الباب. صفة من صفات أخرى أطلقها يسوع على نفسه: أنا الطّريق، أنا النّور، أنا الحقّ، أنا الحياة، أنا القيامة. صفات تدلّ كلّها على شيء واحد: يسوع هو الحقيقة. لم يقل يسوع عن نفسه، لم يعرف نفسه، إنّه يملك الحقيقة، إنّه يعرف الحقيقة، بل قال إنّه هو الحقيقة، ودعانا إلى أن نراها، أن ندخل فيها، أن نحيا بها. وقد أكّد ذلك القدّيس بولس بقوله لأهل كولوسي: "الحقيقة هي المسيح" (كول2: 17). ليست الحقيقة في نظرنا نحن المسيحيّين معطى نتناوله بالدّرس والتّمحيص والتّفسير، بل الحقيقة هي شخص يسوع المسيح. وإذا كانت كذلك فما أوسعها وما أعجزنا عن الإحاطة بها. وكيف لو كنّا ندّعي أنّنا نملكها؟ في المسيحيّة لا تعلم الحقيقة بل تحبّ. يسوع لا نملكه بل نحبّه ونتبعه. سيامة اليوم هي خطوة أخرى إلى الأمام يخطوها أخونا جوزيف في محبّة الرّبّ يسوع واتّباعه إذ يلبّي دعوته له إلى رئاسة الكهنوت، نرافقه فيها بالصّلاة والدّعاء بالتّوفيق.

 

أنا الباب. إن دخل بي أحد يخلص ويدخل ويجد مرعى. يسوع باب مفتوح لكي يدخل منه. لا يضع يسوع حاجزًا بينه وبيننا. يسوع يترك لنا حرّيّة التّنقّل. أن ندخل وأن نخرج متى شئنا. ليس من وقت محدّد للدّخول ولا للخروج. ليس من ساعة لإغلاق الباب ولا لفتحه. والمرعى متوفّر في كلّ وقت. والخلاص أمام الجميع. من يتبع يسوع، من يعتنق يسوع، يعتنق الحرّيّة. يسوع يدعونا إلى الحرّيّة، إلى حرّيّة أبناء الله الّتي طالما تغنّى بها القدّيس بولس إذ قد ذاق طعمها حقّ المذاق حين ارتدّ إلى يسوع، حين دخل من الباب، بعد أن كان يتسوّر من موضع آخر، بعد أن كان يفترس قطيع يسوع. ذاق بولس الحرّيّة وصرخ: "الرّبّ هو الرّوح، وحيث يكون روح الرّبّ فهناك الحرّيّة". (2 كور 3: 17).

 

نحن تحرّرنا لأنّنا عرفنا الرّبّ يسوع، إلّا أنّنا لا نجعل من هذه الحرّيّة فرصة للجسد، لا نتسوّر. لا نتسوّر، بل ندخل من الباب. والسّور ما أطوله وأوسعه، يستطيع المرء أن يدخل من أيّ نقطة منه. أمّا الباب فضيّق لأنّ يسوع يريد أن يستقبل كلّ واحد بمفرده ويرحّب به وأن يتعرّف عليه ويناديه باسمه ويتأكّد من دخوله. واليوم يقيم أخانا جوزيف راعيًا لأبنائه لكي يدلّهم على الباب ويقودهم إليه.

 

"أنا الباب". يسوع هو الباب. بيد أنّ للباب مفتاحًا. وهذا المفتاح هو أنت سيّدنا جوزيف، هو كلّ واحد منّا نحن الّذين أعطانا الرّبّ يسوع مفتاح ملكوت السّماوات. أنت تفتح الباب وأنت تغلقه. رعيّتك مثل عذارى الإنجيل اللّواتي كنّ ينتظرن دخول العروس ليدخلن خلفه. فإن فتحت ودخلت دخلت الرّعيّة. وإن لم تفتح وتدخل أنت فلن يكون في مستطاعهنّ أن يدخلن. علينا من ثمّ أن نحافظ على مفتاح الملكوت، على مفتاح يسوع، فلا ندعه يصدأ أو ينكسر أو يضيع. إن تركناه كذلك فلا بديل له، ليس له "دوبل"، ولا "يصبّ عليه".

 

سمعنا في رسالة بولس كيف نحافظ على مفتاح الباب، مفتاح الملكوت: يا تيموثاوس احفظ الوديعة. أن نكون أمينين للثّقة الّتي أناطها بنا الرّبّ يسوع. والأمانة صفتها الجوهريّة الصّدق. أن نكون واحدًا في القول والعمل. أن نكون في كلّ شيء وفي كلّ حين "نعمًا" لمعلّمنا الإلهيّ، إن وعدنا بالذّهاب إلى الحقل ذهبنا، وإن قلنا له إلى أين نذهب يا ربّ فإنّ كلام الحياة عندك، لا نذهب إلى غيره. راذلين الازدواجيّة من حياتنا. هذه الازدواجيّة الّتي كان السّيّد يسمّيها المراءة كانت أبغض شيء إلى قلبه وطالما عنف عليها. والإستحياء بالسّيّد هو نوع من هذه الازدواجيّة. لذلك يطلب بولس من تلميذه تيموثاوس أن لا يخجل، أن لا يستحي بالرّبّ يسوع ولا بالإنجيل كما أنّه هو بولس لا يخجل ولا يستحي به، لا بل حالما دعاه الرّبّ لم يصغ إلى اللّحم والدّم بل ترك كلّ شيء وتبعه بكلّ إخلاص حتّى الممات. وسرّ فخر بولس بالرّبّ يسوع هو أنّه كان على يقين من محبّته له. قد يستحي المرء لسبب ما بإنسان غنيّ أو زعيم أو ناجح. لكنّه لا يستطيع البتّة أن يستحي بإنسان يحبّه. وقد عرف بولس منذ اللّحظة الأولى الّتي تراءى له فيها المسيح أنّه يحبّه: "لقد أحبّني وبذل نفسه عنّي". لذلك قال: "لا أخجل لأنّي عارف بمن آمنت". أجل، لقد آمن بشخص يحبّه.

 

نحن نؤمن بالرّبّ يسوع لكن كثيرًا ما نستحي به ونخجل ونخاف أن نبوح بإيماننا وأن نعلنه. ذلك أخطر ممّن ينكر الرّبّ يسوع، ممّن لا يعترف ولا يؤمن به أصلاً. لا يلوم السّيّد المسيح الّذين ينكرونه بقدر ما يلوم الّذين يستحيون به. أولئك قد يشكّلون خطرًا خارجيًّا، أمّا هؤلاء فيشكّلون خطرًا داخليًّا. أولئك غير محسوبين عليه، أمّا هؤلاء فإنّهم محسوبون عليه. الخوف على المسيح ليس من الملحدين بل من المؤمنين الخائفين الفاترين. إنّ في خجلهم وفي استحيائهم خطرًا كبيرًا وشكًّا كبيرًا.

 

يا أخانا جوزيف، أنت الآن ذاهب إلى فنزويلا والمكسيك، إلى بلاد بها وجع من فقر وجوع وتخبّط وضياع، وبها عطش إلى السّلام والأمان والاستقرار. أنت ذاهب إلى أناس يتطلّعون إلى من يتطلّع إليهم، من يحبّهم، يحنّ عليهم، يحتضنهم، يمد يده إليهم. أنت حامل إليهم من دون خجل إنجيل يسوع، إنجيل الرّجاء، إنجيل الفرح والسّلام، إنجيل الانتصار للمظلوم والمحروم والمهمّش والمنبوذ والضّعيف. إنزل إليهم. كلّمهم. داو الجراح، سدّ الحاجات. تشجّع، لا تخف أن "تشترك في مشقّات الإنجيل بالرّوح القدس السّاكن فيك". نصحبك بالصّلاة من أجلك ومن أجل شعبك ونبقى متّحدين ومتضامنين معكم جميعًا.

 

باسم إخوتي السّادة الأساقفة أعضاء السّينودس المقدّس نرحّب بك في سينودس كنيستنا الملكيّة ونهنّئك ونهنّئ الرّهبانيّة الباسيليّة الحلبيّة وأبرشيّة فنزويلا وأهلك وأصدقائك ومن خدمتهم في حياتك الكهنوتيّة. ونهنّئ بنوع خاصّ أخانا سيادة المطران جورج سلفك الجزيل الاحترام ونشكره على خدمته الكهنوتيّة والأسقفيّة الّتي قضاها في فنزويلا حافظًا الوديعة، معلّمًا وبانيًا وراعيًا بإخلاص وغيرة وتفان. أطال الله عمره ومدّه بالعافية. والشّكر الكبير لقداسة البابا فرنسيس الّذي منحك ثقته وموافقته.

 

والشّكر في الختام لله تعالى الّذي افتقد كنيسته وأبهجها بأن أعطاها حبرًا نقدّم كلّنا هذه اللّيتورجيا الإلهيّة من أجل أن "يذكي فيه الموهبة" الّتي نالها الآن بوضع أيدينا فتكون خدمته "بغير عيب ولا لوم"، حتّى يتمجّد اسمه تعالى "المبارك إلى الدّهور"، "الّذي له وحده الخلود... والكرامة والعزّة على الدّوام".

 

بدوره ثمّن المطران الجديد كلمات البطريرك العبسيّ، معتبرًا إيّاها خريطة طريق لكلّ من يودّ أن يرافقه في خدمته الإنجيليّة، وبخاصّة في فنزويلا والمكسيك". وشكر في كلمته الّتي ألقاها تحت عنوان "معًا نحو الله" مدينته "حلب" و"لبنان العظيم" على استضافته "على ترابه الذّهبيّ الغالي"، متمنّيًا لأبنائه القيامة السّريعة، لتعود أغنية عذبة يتغنى بها جميع مواطنيه وزائريه.

 

وتقبّل المطران الجديد التّهاني، بعد القدّاس، في صالون البازيليك.

 

وسوم: