أنت هنا

تاريخ النشر: 
الثلاثاء, مارس 24, 2020 - 10:29

البطريرك الرّاعي: إنّ رحمة الله محبّة أقوى من الخطيئة والموت

تيلي لوميار/ نورسات

إقتبس البطريرك المارونيّ الكاردينال مار بشارة بطرس الرّاعي من القسم الثّاني، فصله الأوَّل "في سرّ الخطيئة" من الإرشاد الرّسوليّ للقدّيس البابا يوحنّا بولس الثّاني بشان "المصالحة والتّوبة في رسالة الكنيسة اليوم"، متوقّفًا في التّنشئة المسيحيّة عند موضوع الخطيئة العرضيَّة والخطيئة المميتة (الفقرة 17)، فقال:

"1. إستنادًا إلى الكتاب المقدّس في عهديه القديم والجديد، تتكلَّم الكنيسة عن خطيئةٍ مميتةٍ وخطيئةٍ عرضيَّة.

 

أ- في رسالة يوحنّا الأولى 5: 16-17

 

يتكلَّم الرّسول عن "خطيئةٍ تقود إلى الموت، وخطيئةٍ لا تقود إلى الموت". والموت يعني الموت الرّوحيّ، بفقدان الحياة الحقّ أو الحياة الأبديَّة، الّتي هي بالنَّظر إليه معرفة الآب والابن، والاتّحاد بهما، وتوثيق العلاقة معهما. إنَّ الخطيئة المميتة بجوهرها هي رفض الله بعبادة آلهةٍ كاذبة (1يو21:5). هذا يحدث لدى الجحود وعبادة الأصنام، أيّ رفض الإيمان بالحقيقة الموحاة، وجعل المساواة بين الله وبعض الخلائق الّتي نصنع منها أصنامًا أو آلهةً كاذبةً (1يو5: 16-21). ويوضح يوحنّا أنَّ المسيحيَّ "مولودٌ من الله" بفعل مجيء الابن. ففيه قوّةٌ تقيه السّقوط، والله يحفظه والشّرير لا يقوى عليه. وإذا خطئ عن ضعف أو جهل فهو يثق من المغفرة، معتمدًا على صلاة جماعة الإخوة.

 

ب- متّى 12: 31-32

 

يتحدَّث الرَّبّ يسوع عن "التّجديف على الرّوح القدس الّذي لا يُغفر"، لأنَّه رفض العودة إلى محبَّة أبي المراحم. هذه التّعابير تعني رفض الله وإهمال نعمته، وبالتّالي مقاومة مبدأ الخلاص عينه، حتّى لكأنَّ الإنسان يسدّ على نفسه، عن قصدٍ وتصميم، طريق المغفرة. ولكن، بما أنَّ الله "أعظم من قلبنا" (1يو20:3)، في محبَّته ورحمته، بإمكانه أن يتغلَّب على كلّ مقاومةٍ نفسيَّةٍ وروحيَّةٍ نبديها. لذا يجب "ألّا نيأس من خلاص أحد في هذه الحياة نظرًا إلى قدرة الله ورحمته" (القدّيس توما الأكوينيّ).

 

2. أوضح القدّيس توما الاكوينيّ لاهوت الخطيئة، إيضاحًا جعل العقيدة ثابتةً في الكنيسة.

 

لكي يعيش الإنسان بحسب الرّوح، يجب أن يبقى متَّحدًا بمبدأ الحياة الأعلى، وهو الله بوصفه الغاية الأخيرة لكلّ كيانه وكلّ عمله.

 

"الخطيئة هي إخلالٌ بهذا المبدأ الحيويّ يتسبَّبُ به الانسان. إذا ذهبَ به هذا الإخلالُ إلى حدّ القطيعة والانفصال عن الغاية الأخيرة، أيّ الله، المرتبطة به برباط المحبَّة، تكون هناك خطيئةٌ مميتة. وعلى العكس، كلَّما لم يذهب الخلل إلى حدّ القطيعة والانفصال عن الله، فالخطيئة تكون عرضيَّةً.

 

أمَّا بالنّسبة إلى العقاب، فالخطيئة المميتة، إن لم تُغفر، تؤدِّي إلى العقاب الأبديّ، والعرضيَّة تستوجب عقابًا زمنيًّا يمكن التّكفير عنه على الأرض أو في المطهر (الخلاصة اللّاهوتيّة، 1-2، مسألة 72).

 

3. بإختصار وجريًا على تقليد الكنيسة

 

الخطيئة العرضيَّة هي جنوحٌ عن طريق الإيمان والعدالة، وهي طريق تقود الإنسان إلى معرفة الله ومحبَّته في هذه الحياة والى الاتّحاد الكامل به في الأبديَّة، من دون أن يخرج عن طريقه. ولكن يجب ألّا نخفّف من شأنها، كما لو كانت شيئًا يجب إهماله أو "خطيئة لا تُحسَب".

 

أمَّا الخطيئة المميتة فهي الفعل الّذي يرفُضُ الإنسانُ به، بحرّيَّته ومعرفته، الله وشريعتَه وعهدَ المحبَّة الّذي يعرضه الله عليه، مفضِّلاً الانطواء على ذاته أو التّحوُّل إلى ما يعاكس إرادة الله (وهذا يدعى تحوُّلاً إلى الخليقة). وهو ما قد يحدث بطريقةٍ مباشرةٍ ومقصودةٍ كما في خطايا عبادة الأصنام والجحود، أو بطريقةٍ مشابهة، موازية، كما في كلّ فعل معصيةٍ لوصايا الله، في مادَّةٍ ثقيلة. ويعرِفُ الإنسان حقَّ المعرفة أنَّ معصية الله هذه تقطع ما يشدُّهُ إلى مبدئه الحيويّ من روابط، وهذه خطيئةٌ مميتةٌ، أيّ فعلٌ يُهين الله ويرتدُّ في النّهاية على الإنسان عينه بقوَّةٍ طاغية، مدمِّرة، غامضة".

 

4. أناس اليوم يتعرَّضون لفقدان معنى الخطيئة. ويتوهَّمون أحيانًا أنّهم في عصمةٍ منها. ليس هذا من المسيحيَّة في شيء. هم بحاجةٍ إلى سماع تحذير يوحنّا الرسول: "إن قلنا إنَّنا بلا خطيئة، فإنَّنا نُضِلُّ أنفسَنا، ولا يكون الحقُّ فينا... وإنّنا نجعل الله كاذبًا، ولا تكون كلمته فينا... أمَّا إذا اعترفنا بخطايانا، فإنَّه أمينٌ وبارٌّ يعفر لنا خطايانا، ويطهِّرنا من كلّ شرّ" (1يو1: 8-10). إنَّ رحمة الله محبّةٌ أقوى من الخطيئة والموت، فلا تتوقَّف ولا تتراجع أمام إهاناتنا، بل تزداد عنايةً وسخاءً. وقد ارتضى أن يفتديها بدم الكلمة الّذي دفعه ثمنًا عنَّا. حقًّا، إنَّ الله غنيٌّ بالرَّحمة، بل إنَّه الرَّحمة (الفقرة 22)".