أنت هنا

تاريخ النشر: 
الأحد, مارس 29, 2020 - 15:49
 
 
 
 
 
ابونا هانس بوتمان..معلمنا ومعلم الأجيال يرحل إلى الدٌيار السّماوية.
 
 

 انتقل إلى الأخدار السماوية الأب هانس بوتمان اليسوعي، أثناء تواجده في بلده هولندا. عن عمر يناهز الثانية والثمانين. ويُعد الأب بوتمان من الواعظين المخضرمين في الكنيسة، فهو معروف بمواعظه وكرزاته وإرشاداته، المبنية على أسلوب الرياضات الروحية، للقديس أغناطيوس دي ليولا، مؤسس الرهبنة اليسوعية. وقد خدم الأب هانس في العديد من الدول العربيّة: لبنان، مصر، السودان، سوريا والأرض المقدسة، وترأس العديد من الرياضات الروحية السنويّة لمجموعات متنوعة من الكهنة في أبرشيات الأرض المقدس والشرق الأوسط، عدا عن كونه مؤلفًا لإصدارات روحيّة، كانت محط أنظار الباحثين والدارسين اللاهوتيين.

وأصدر الأب هانس بوتمان العديد من المؤلفات في إطار دار المشرق- لبنان أحدها "الحياة المكرّسة طريق إلى الفرح" صدر عام 2015 ضمن فئة سلسلة الحياة الروحيَّة، نوجز منه فقرات قليلة:

"كيف لنا أن نتحدّث عن الحياة المكرّسة كطريقٍ إلى الفرح، ونحن نشهد انحدارًا كبيرًا في أعداد المُلتزمين فيها؟ أليست الرهبانيات الأشد صرامةً وبؤسًا هي الّتي ما زالت تجتذب المكرّسين من الشبيبة؟ ألم تُتابَع الأديار في إغلاق أبوابها كلّما حاولَت التأقلم مع أنماط الحياة الجديدة؟ هل بات البحث عن المُطلق هو مجرّد حلمٌ إنجيليّ لا يُخاطب واقعنا؟ أمام هذه التحدّيات، يقف ابن الخامسة والسبعين، بعد نصف قرنٍ من الحياة الرهبانيّة، ويقول لنا: "نعم الفرح ممكن في الحياة المكرّسة". ويضيف: "ولأنّ كمال الفرح، لا يمكنه أن يكون سوى ثمرة حياة مُعطاة بدون تحفّظ وبدون تنازلات".

ويضع الأب هانس، بين أيدينا، خبرة لقائه الشخصيّ مع يسوع، هذا اللقاء المُفعم بالفرح من خلال خبرة التخلّي والمجانيّة، في الحبّ. ذلك ما يعلنه النبي أشعيا في نبوءته الرائعة (أش 62: 1-5): " نعم، فكما أن شاباً يتزوج بكراً، كذلك الذي أقامكِ- بانيكِ، وخالقُكِ- يتزوجكِ، وكسرور العريس بالعروس يُسَرُّ بكِ إلهُكٍ "." ليس عندهم خمر! " لكن للأسف، فإنّ الزفاف السعيد لتلك العروس قد ينتهي بالحزن، لأنه ليس لديهم خمر. بهذه الكلمات توجهت مريم العذراء إلى ابنها (في إنجيل عرس قانا) لتشجّعه لكي " يُظهِر مجدَهُ " (يو 2: 1-11).

 برعاية الأمومة التي لمريم وتدخلها الشجاع سينقلب الحزن إلى فرح وتعود "المهجورة" لتصبح "المُفضّلة"، ويمكن للاحتفال أن ينطلق من جديد. يجب علينا بالتأكيد أن نتعاون جميعاً من أجل هذا الشفاء لكي يظهر مجد الله في عروسه، الكنيسة، وقد شُفيَت من جراح الانقسامات، وتزيّنت من جديد لتتحلّى بجمالها الأول.

وذكر الأب هانس في وعظاته وحدة الكنائس قائلا :"هل نعلم أنّنا جميعًا، كاثوليك، وأرثوذوكس، وبروتستانت، نُخطئ ضدّ مشيئة الله، إن لم نحاول أن نفعل المستحيل، لكي نستعيد وحدة كنائسنا، ونعمل لكي لا تكون عروس المسيح "المهجورة"، بل تعود فتكون "المُفضّلة"؟

" مهما قال لكم فافعَلوه": تدعونا مريم لكي نعيش على مثالها لنكون، دائماً وفي كلّ شيء، مستعدّين لأن نعمل بمشيئة الله. لنكون واحدًا، يسوع يرجونا أن لا نكون مسيحيين بالاسم، تلاميذ فارغين من الداخل، لكن لأن نعيش منافسة روحية مقدّسة، ونجدّد إيماننا، وارتباطنا بيسوع المسيح، واحترامنا ومحبتنا للمسيحيين، من الكنائس الأُخرى، وأن نملأ أجراننا حتى حافّتها.

عندئذٍ سيتمكن مجد الله أن يتجلّى من جديد، وتعود عروس المسيح لتكون جذّابة وشجاعة، في قلب العذابات التي يعانيها شرقنا الأوسط. لأنّ "جدران الانفصال لا ترتفع حتى السماء".

نقدّم خالص العزاء للرهبنة اليسوعية، ولعائلة الكاهن الفقيد، ولأصدقائه في كل بقعة من هذا العالم، ولكل من عرف وأحبّ الأب هانس بوتمان، ووجد في كلماته وإرشاداته بلسم التعزية.. الراحة الأبدية أعطه يا رب، النور الدائم فليضىء له.

وقد نعته المؤسسات الرهبانية، والمراكز الدينية والكنائس التي حظيت بمعرفته عن كثب. وتحدث إلى موقعنا عدد ممن عرفوا الأب هانس: قالت الراهبة الأخت كاميليا خوري عن الأب الراحل من خلال معرفتها به: أمضى الأب هانس خدمته الكهنوتية في الشرق الاوسط. احتفلنا معه العام الماضي بيوبيل الخمسين لكهنوته.  عرفناه طيلة ٦ سنوات، كان لنا الأب والمرشد والدليل إلى اكتشاف وجه الله المحب، الحنون واللطيف. لقد كان مثال الكاهن الذي أعطى حياته بكاملها لخدمة البشارة من خلال الرياضات الروحية. ساعدنا على اكتشاف وجه يسوع المحب، الوديع والمتواضع القلب. الذي أحب الانسانية دون حدود ودون شروط. على مثال المعلم هكذا كان الأب هانس بتواضعه، بأمانته، محبته وانتباهه الخاص لكل فرد. إن حبّه العميق ليسوع دفعه لأن يكون خادما أمينا للبشارة حتى آخر رمق من حياته. لقد تعرفت على الأب هانس بوتمان سنة 2004 في لبنان أثناء رياضة روحية، حيث كنت أتحضر لإعلان نذروي الدائمة. وقد أثر في نفسي بالغ الأثر بتواضعه ومحبته وحبه لشخص يسوع المسيح، وأمانته لدعوته الكهنوتية، ومحبته الخاصة لكل شخص دون شروط ودون حدود. وعندما أُرسل إلى الارض المقدسة سنة 2014 كان لي الحظ أن نتشارك معا في الرسالة من خلال الرياضات الروحية.. كان بالنسبة لي الأب والمعلم والمربي. وهكذا حال كل شخص عاش معه خبرة روحية بتميز. بالفعل كان لي أبا لطيفا وحنون وقديسا، لقد لمست القداسة فيه ولن أنساه. لقد طبعت صورته ومعاملته لي في قلبي، لأنه أبي الحنون. أصلي من أعماق قلبي لروحه السلام..

الأخت مونيكا: الله يرحمه. إنه عندنا شفيع بالسماء. عندما كان يتحدث كانت عيناه تشعان نورا وفرحا، وقوة شخصيته الداخلية توحي بالاستعداد للخدمة طيلة النهار بدون انقطاع. كان في أسلوب حياته ونهج معيشته يؤكد أن الله حي، ويعطي السعادة لمن يحبه ويتبعه من كل قلبه. إنه أب روحي وراهب قديس. الله يرحمه ويكثر ثمرات حياته.

رحمة الله تشمل الأب هانس، وبالتأكيد روحه في السماء، نظرا للعطاء الذي كان يبذله، ومحبته اللا محدودة، وكان يرى وجه يسوع فينا. ولكن لا أستطيع القول إني أشعر بالحزن، لأن الوقت قد حان ليكون عند يسوع في الأبدية.

 

الرّاحة الأبدية أعطه يا رب والنور الدّائم فليضيء له 
#RIP_Fr_Hans_Putman

 

وسوم: