أنت هنا

تاريخ النشر: 
الثلاثاء, يناير 21, 2020 - 18:58

القائمة:

علاقة الاهل مع الأولاد ما بين الماضي والحاضر

الأخصائية الاجتماعية - هيفاء عويد مطر

 

في أيامنا الحالية على الاهل ادراك ان التربية السليمة تتطلب الاهتمام والتركيز على ثلاث مستويات الجسدي والنفسي والروحي حتى نساعد أولادنا في الوصول الى الاتزان والنمو السليم , أن أهمال أحد المستويات قد يكون له أضرار للمدى البعيد 

لهذا توجد أهمية لأن يكون لدى الاهل وعي فكري ويقظه أتجاه التغييرات الاجتماعية والجذرية التي تحصل في حياة أولادنا في أيامنا هذه مقارنة مع الزمن الماضي والتي تضعنا جميعا في تحديات وإشكاليات مختلفة حول كيفية التعامل مع الأولاد وإعطاء التوجيه المناسب.. أود استعراض جزء منها بشكل مختصر وسريع:

 

  • الابتعاد عن الله والالحاد 

  • بلبله في القيم الأخلاقية والاجتماعية بسب تيار العولمة الذي أدى الى انكشاف واختلاط الحضارات ببعض 

  • عمل الاب والام لساعات طويله خارج البيت خصوصا مع غلاء المعيشة حيث ان مصدر دخل واحد لم يعد كافيا ويضطر الاثنين للخروج لسوق العمل.. مما يترك الأولاد بدون رقابة والرعاية المطلوبة 

  • وسائل التواصل الإلكترونية التي تعرض أولادنا الى مضامين لا تتلائم مع المرحلة العمرية التي هم بها وتجعلهم يدخلون مرحلة المراهقة في سن مبكر والتي قد تمتد الى أعوام متأخرة 

 

وعليه من الضروري أن يكون لدى الاهل أيضا وعي عاطفي حيال نقاط هامه ومؤثره في علاقتهم مع الأولاد:  

  • تأثير العلاقه السابقة التي جمعت بينهم وبين والديهم وكيف ينعكس ذلك حاليا بعلاقتهم مع أولادهم؟ 

  • الاستعداد لتقبل ان علاقتهم مع الأولاد قد تتعرض الى فترات بعد او قرب، فترات هدوء وفترات توتر بسبب الانشغالات أو حصول خلافات أو تغيير في الظروف الشخصية والعائلية لكن المهم ترك الباب مفتوح لتواصل والحوار بين الطرفين 

  • العلاقة مع الأولاد قد تحمل في طياتها مزيج من المشاعر السلبية والإيجابية – حب – كراهية – غضب – خيبات امل – فشل – نجاح – الشعور بالإهانة والتجريح واعطاء شرعيه لهذه المشاعر من خلال التفريغ والتعبير عنها 

  • ليس بالضرورة ان نصل الى أتفاق في جميع الأمور اذ لدى أولادنا " الحق " في التعبيرعن وجهات نظر مختلفة وحتى اتخاذ قرارات قد تكون مغايره عن الاهل 

أضف الى الوعي الفكري والعاطفي ماذا عن الوعي الروحي عند الاهل وهل العلاقة مع الله هي هدف هام نضعه في سلم أولويات تربية أولادنا؟ 

 

إذا الإجابة نعم .... فان خلاص نفوسنا كعائله هو امر مهم يتطلب من الوالدين التركيز على الرعاية الروحية لأولادهم وليس فقط على انجازاتهم التعليمية والمهنية أو الاكتفاء فقط بما يقدمه العالم لأولادهم من تعاليم او وسائل بعيدا عن الله أو القيام بواجب ديني فقط في زمن الأعياد .

الرعاية الروحية ...لا تعني الاكثار بالتحدث عن الله  حتى نتجنب نفور وردة فعل عكسيه لدى أولادنا بل بالإمكان البدء بأنفسنا كأهل في أن نكون "قدوه"  حيال كيفية عيش الله من خلال تجنب اللغة البذيئة واتباع السلوك الحسن ..أيصال كلمات ورسائل روحيه قصيره لأثارة الفكر الروحي في عقول أولادنا ومحبة الله في قلوبهم على سبيل المثال " الخطيئة لذيذة وسهلة التنفيذ لكن الابتعاد عنها يتطلب اجتهاد وتهذيب لنفس "..."ليس كل ما هو مباح متاح  ".." الجسد هو هيكل لروح الله وليس أداه للأغراء او التعري " ..." الصلاة ليست فرض بل لقاء مع الله تستطيع اللجوء اليه والتحدث معه عن كل شيء " 

 

أما بما يخص بناء وتحسين علاقتنا كأهل مع أولادنا بالبداية علينا ان نطرح على أنفسنا عدة أسئلة:

 

 أي نوع من الأهل أريد أن أكون؟

  1. المسيطر الذي يطالب من الاولاد القيام بتلبية الأوامر والتعليمات التي يمليها بدون أي شرح

أو إعطاء تفسير ..." ابني بعمل شو بدي بدون معارضه او نقاش " ...ولاحقا حين يكبرون ويبتعدون عن البيت نجدهم في انجراف وانفلات أخلاقي والتورط سلوكيا في أمور غير مناسبه ومؤذيه لان لم يسبق لهم ان قاموا بها حيث تم منعهم او كبتهم ولم يتم تطوير لقدره لديهم على التفكير التمييز الانتقائية والفهم حيال ما عليهم فعله أو عدم فعله 

  1. البعيد الذي لا يقوم بالاطلاع والتفاعل المطلوب لما يحصل في حياة أولاده ... " اربيت لا ابوي ولا امي كانوا يحكوا معنا...شو صار علينا ... ولادنا نفس الشي راح يكبروا ويتعلموا لحالهم ".. وبعد ذلك نجد الأولاد قد تورطوا في مواقف صعبه او مخاطر او مشاكل قانونيه بسبب ابتعادنا وعدم توفير الرعاية المناسبة لهم 

  2. المربي / الفعال  الذي يستطيع توجيه عواطفه ومهاراته الوالدية تجاه أولاده لأجل تطورهم ونموهم السليم والناضج 

 

أي نوع من الأولاد أريد أن يكون أولادي؟ 

  1. اتكالي ...أي أفكر وأقوم بأمور عديده نيابة عنه

  2. مبادر ومستقل يستطيع التفكير والتصرف بطريقته الخاصة والمميزة مع توفير مرافقة الأهل  والدعم اللازم حين يحتاجه 

 

أي القواعد التي تساعد على التواصل الصحي مع أولادنا ؟

هناك الكثير منها , أخترت البعض منها للمشاركه بها .. 

 

 القواعد السليمة 

  • التعبير عن المحبة بشكل غير مشروط او مربوط ب أنجاز الولد، بعض الأهالي يجدون صعوبة في فعل ذلك لأنهم افتقروا لذلك بعلاقتهم مع أباءهم وأمهاتهم أو يعتقدون أن التعبير عن العاطفة هي حاله من الضعف لكن علينا الانتباه أن التعبير عن العاطفة يجب ان يكون ب - الأقوال والأفعال 

 

  • الأصغاء وليس الاستماع ...عندما يريد أحد الأولاد مشاركتنا بشيء يتوقع ليس فقط ان نسمعه بل نظهر أصغاء ليس فقط لتفاصيل الحدث ...بل لمشاعره، أفكاره أو تخبطاته أو تساؤلات التي يريد مشاركتنا بها وأحيانا قد يكون بحاجه الى الاستعانة بوالديه لمساعدته على اختيار وانتقاء الكلمات والتعابير ليصف الحالة التي هو فيها وهذا يتطلب من الأهل الأصغاء وليس مجرد الاستماع 

 

  • "التوقف " لأجل خلق فرص للقاء مع الأولاد أي من المهم أن يرى الولد والديه بين الحين والأخر بدون انشغال أو حركه دائمة مما يشجعه على الاقتراب منهم وتبادل الأحاديث معهم

 

 

  • اعطاء شرعيه للفشل والأخطاء التي قد تحصل عند كلا الطرفين – الأهل والأولاد - والتذكر أن الخطأ فرصه للتعلم والنمو بالعلاقة مع أتاحه الفرصة للتصليح أو الترميم على أن يتم التعاطي مع الأمر بطريقه غير مبالغ فيها.

 

  • قدرة الاهل في معرفة متى يتم استعمال العاطفة واستعمال الحزم –أحد معايير الحزم هي معرفة متى نقول نعم ومتى نقول لا مع أعطاء  شرح، الحزم ليس استعمال القوه الجسدية والعنف الكلامي بل القدرة على وضع قوانين واضحه واتخاذ خطوات تأديبيه مناسبه اتجاه أولادنا 

 

  • قضاء وقت نوعي وليس كمي بين الأهل والأولاد، الأمر لا يتطلب ساعات طويله بل تخصيص وقت مشترك وممتع نقضيه معا مثل تناول وجبه , الذهاب سوية  للمشي في الطبيعة , مشاهدة مباراة لكرة القدم , ممارسة هواية مشتركه مما يعزز التفاعل بين الطرفين  

 

  • تحديد قيم أيمانيه – أخلاقية – عائليه وحتى سياسية تشكل بوصله للأهل والأولاد أمام التغييرات الاجتماعية والفوضى الأخلاقية التي تحصل حولنا لغاية الأن العديد من البيوت تفتقر الا وجود دستور للقيم المفيدة والتي تساعد أولادنا على العيش بحسبها       

 

أي الأنماط التي تضر/ تسيء لعلاقتنا مع أولادنا؟

 

هناك العديد منها لكن سأتطرق الى الأنماط الأكثر انتشارا ...

  • مطالبة الأهل أولادهم السعي الى " المثالية " أي حياه كامله خالية من الأخطاء والمشاكل...من خلال كوني أم ومزاولة مهنة الخدمة الاجتماعية لاحظت أن أولادنا لا يريدون منا أن نكون كاملين بل حقيقيين في التعامل معهم، التحدث معهم ومشاركتهم خبرات حياتنا مما تحمله من احزان او افراح، جروحات وصعوبات، نقاط ضعف وقوه مما يساعدهم ويشجعهم على التحدث عن مخاوفهم وتجاربهم الشخصية السيئة والجيدة  

 

  • عدم أتاحه المجال لتفريغ المشاعر والحوار بين أفراد العائلة مما يزيد من ميول الأولاد في البحث عن عنوانين خارجيه وبدائل سلبيه – التدخين – شرب الكحول – اتهام وتعنيف الأخرين – تجاهل المشكلة – التهام الطعام – السهر في الخارج   

 

  • التناقض وعدم التلائم ما بين أقوال وتصرفات الاهل على سبيل المثال نجد بعض الأهل يطالبون أولادهم في أظهار الاحترام والتقدير لهم بالمقابل هم الذين يقومون بتوجيه الإهانات والشتائم لأولادهم أثناء الحديث اليومي معهم وحتى يعملون على تبرير ذلك على أنهم ما يقولوه هو بدافع المزاح او من باب العادة اليومية 

 

  • التركيز على الجوانب السلبية لدى أولادنا بدل من الانتباه الى الجوانب الإيجابية التي لديهم وإعطاء مديح عليها 

 

  • العلنية في التعاطي مع مشاكل أولادنا يعني تحويل ما يحصل معهم الى قصه أو حديث العائلة كلها بدل من محاولة أيجاد حلول مع أولادنا أو الالتجاء الى العنوانين المناسبة للاستشارة وتلقي المساعدة  

 

لتأمل ...علاقتنا مع أولادنا كما جاءت في الكتاب المقدس 

 

على ضوء ما جاء أعلاه هناك أهميه لتغذية علاقتنا مع أولادنا على أساس المحبة وأسس قواعد الرعاية التربوية السليمة كما فعل الراعي الصالح يسوع المسيح في مشاهد متعددة يذكرها الكتاب المقدس ..أختار البعض منها لتأمل بها وتبادل الأفكار مع القارئ راجية أن يأخذ منها ما يعود عليه بالفائدة بعلاقته مع عائلته : 

توفير يسوع المسيح الرعاية الجسدية لجمهور من الكبار والصغار حين قام بمعجزة تكثير الخبز والسمك لتوفير الطعام لهم قبل الاستمرار في نشر تعاليمه بينما نجد أنفسنا في مرات كثيره نختار الوقت الغير مناسب لتحدث مع أفراد أسرتنا حينما يكونون جائعين ومرهقين ... الرعاية العاطفية التي تجلت حين وضع التلميذ يوحنا الحبيب رأسه على صدر المسيح، هذا المشهد يشع منه المحبة المتبادلة بين الاثنين مقارنة مع العديد منا لا نعانق أو نحتضن أولادنا بشكل كافي أو عند اللحظات التي تتطلب ذلك ... الرعاية الفكرية التي ظهرت من خلال تشجيع تلاميذه على طرح تساؤلاتهم وتخبطاتهم مثال على ذلك حينما شك توما بقيامة المسيح وعبر عن ذلك علنية أمام الأخرين ...كما تطرق الى الرعاية الروحية حين علم تلاميذه صلاة " أبانا الذي في السماوات.. " وضرورة المسامحة والمغفرة التي تكلم عليها بمثل الابن الضال واستقبال أبيه له...لكن للأسف ما زلنا أثناء خلافتنا العائلية نتذكر ونذكر بعض في أخطاء حصلت بالماضي.

 

فعاليات ...تستطيع العائلة القيام بها لتعميق التعارف وقضاء وقت ممتع مع بعض:

  • اختيار هدايا رمزيه يقوم الاهل والأولاد بأعطائها لبعض.. أثناء قيامهم بذلك يتبادلون كلمة " شكر" على تصرف جيد قام به الاب أو ألام او احد الأولاد مؤخرا 

 

  • التدوين على أوراق صغيرة الحجم صفات ايجابيه وسلبيه متنوعه.. وضعها في صندوق صغير على ان يقوم كل واحد من الأسرة بسحب ورقه، قراءة الصفة والتحدث هل هذه الصفة تذكره بصفات أحد الوالدين او أحد الأخوة، هل يرغب بأن يحافظ الشخص الأخر عليها أو يعمل على تغييرها ولماذا؟ 

 

  • اختيار " حادثه عائليه" حصلت في السابق يرغب أحد أفراد العائلة في توجيه " عتاب " لأحدهم حيال تصرف سبب له الانزعاج او عدم الارتياح أو أثار لديه مشاعر صعبه مع أمكانية إعطاء المجال لشخص الاخر في الرد أو الاعتذار.

 

الأخصائية الاجتماعية - هيفاء عويد مطر