أنت هنا

توجيه حول بعض قضايا علم أخلاقيّات الحياة - مجمع العقيدة والإيمان

كرامة الإنسان

توجيه حول بعض قضايا علم أخلاقيّات الحياة  - مجمع العقيدة والإيمان

مجمع العقيدة والإيمان

كرامة الإنسان

توجيهحول بعض قضايا علم أخلاقيّات الحياة

 

حاضرة الفاتيكان

2008

منشورات

اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام

جل الديب - لبنان

 نشرت بعناية

المجمع المقدس للكنائس الشرقية

الفاتيكان

 

 

كرامة الإنسان

توجيه

حول بعض قضايا علم أخلاقيّات الحياة

 

مدخل

1. كرامة الإنسان يجب أن يُعترف بها لكلّ كائن بشريّ منذ الحبَل به حتى موته الطبيعيّ. هذا المبدأ الأساسيّ الذي يعبّر عن «نَعَمٍ» عظيم للحياة البشريّة، يجب أن يكون محور التفكير الخلقيّ حول البحث الطبيّ الأحيائيّ الذي أخذ يحظى بأهميّة عظمى متزايدة في عالم اليوم. لقد تدخّلت السلطة التعليميّة الكنسيّة مراراً كي توضح وتحلّ المعضلات الأدبيّة التي تلازمه. بهذه الصفة، يكتسب التوجيه «الحياة هبة الله»[1] أهمية خاصة. إلاّ أنه تبيّن، عشرين سنة بعد إصداره، أنه من المناسب العمل على تحديثه.

يحافظ تعليم هذه الوثيقة على قيمته كاملةً أكان على صعيد المبادئ أم الأحكام الأدبيّة الواردة فيها. إلاّ أنه في مجالّي الحياة البشريّة والأسرة الدقيقين، تثير تقنيّات الطب الأحيائيّ الحديثة الراهنة تساؤلاتٍ لاحقة، بالأخص في ما يتعلّق بالبحث حول المُضَغ البشريّة، واستخدام الخلايا الأمّ (أَو الخلايا الجذعية) لأغراضٍ علاجيّة، وكذلك في مجال الطبّ الاختباريّ. كل تلك التقنيّات تثير تساؤلاتٍ جديدة تتطلّب في الوقت عينه إجاباتٍ مناسبة. إن سرعة تطوّر العلم وانتشاره بواسطة وسائل التواصل الاجتماعيّ تثير اِنتظاراتٍ واهتماماتٍ لدى شريحة كبيرة من الرأي العام. وغالباً ما يُلجأُ إلى المجالس التشريعيّة كي تتّخذ قرارات، مستخدِمةً أحياناً الاستفتاءات الشعبيّة كي تنظّم هذه القضايا قانونيّاً.

هذه الحوافز حملت مجمع العقيدة والإيمان فأعدَّ توجيهاً جديداً عقيديَّ الطابع، كي يواجه إشكاليّاتٍ حديثة، على ضؤ المعايير التي أوردها التوجيه «الحياة هبة الله». ولقد أعيد النظر أيضاً في مواضيع أخرى سبق بحثُها، لكنها استوجبت إعطاء إيضاحات لاحقة.

2. بحثُ تلك المسائل أخذَ بعين الاعتبار على الدوام نواحيَها العلميّة، بفضل إسهام عددٍ كبير من الخبراء، وبفضل أَبحاث الأكاديميّة الحبريّة للحياة. وذلك كلُّه قُوِّم على ضوء مبادىءِ الأنتروبولوجيَّا المسيحيّة. رسالتا يوحنا بولس الثاني العامّتان «تألقّ الحقيقة»[2] و«إنجيل الحياة»[3]ومداخلاتٌ أخرى للسلطة التعليميّة تقدّم توجيهاتٍ واضحةً حول الطريقة والمضمون المرافقَين بحثَ تلك المسائل.

ضمن الرؤية الشاملة الحاليّة والمتعدّدة الوجوه، الفلسفيّة منها والعلميّة، يمكن أن نلحظ حضوراً كبيراً لعلماء وفلاسفة قيّمين يرون، في علم الطبّ، بوحيٍ من قَسم ايوقراط، خدمةً في سبيل الضَّعف البشريّ، لأجل علاج الأمراض وتسكين الألم، كما لإمتداد العلاجات الضروريّة بالتساوي للبشريّة جمعاء. غير إن بعضاً ممن يمثلون تلك المجالات (أَو الميادين) العلميّة عينها يعتبرون التطوّرَ المتناميَ للتقنيّات الطبيّة أساساً من وجهة النظر النِساليّة.

3. إن الكنيسة الكاثوليكيّة، باقتراحها مبادىءَ وأحكاماً أدبيّة حول البحث الطبيّ الأحيائيّ في ميدان الحياة البشريّة، ترتكز على السواءِ على نور العقل والإيمان، مسهمةً في إعداد رؤية شاملة عن الإنسان ودعوته. وهذا شاهدٌ لقدراتها على تقبّل كلِّ ما يظهر من صلاحٍ في أعمال البشر وفي مختلف التقاليد الثقافيّة والدينيّة التي غالباً ما تعرب عن احترام عميق للحياة.

إن سلطة الكنسية التعليميّة تحرص على الإعراب عن ثقتها بالذين يرون في العلم خدمة جلى لخير الحياة الشامل ولكرامة كل كائن بشري وعلى تشجيعهم. وتتطلّع الكنيسة بأملٍ إذاً إلى البحث العلميّ، وتتمنّى أن يتكرّس العديدُ من المسيحيّين لتطوّر الطبّ الأحيائي شهادةً لإيمانهم. وهي علاوةً على ذلك، تتمنى في أن تعمَّ ثمارُ هذا البحث حتى المناطقَ الفقيرة، وتلك التي تعاني من الأمراض، فتلبّى الحاجاتُ الأكثرُ إلحاحاً والأكثرُ مأسويّة، من وجهة النظر الإنسانية. وهي أخيراً، تريد أن تكون حاضرةً إلى جانب كلِّ متألم في جسده وفي نفسه، كي تقدِّم له لا المؤاساة فحسب، بل النورَ والرجاء اللذين من خلالهما يكتسب المرضُ أو اختبارُ الموت معنىً. تلك الأوضاع تعود في الواقع إلى وجود الإنسان وتسِمُ تاريخه بانفتاحه على سرّ القيامة. نظرة الكنيسة بالحقيقة مملوءة ثقةً لأن «الحياة ستنتصر: بالنسبة إلينا ذلك رجاءٌ ثابتٌ أكيد. نعم، الحياة ستنتصر لأن الحقيقة والخير والفرح والتقدّم الصحيح هم إِلى جانب الحياة. إن الله الذي يحبُّ الحياة ويغدقها بسخاءٍ هو إِلى جانب الحياة»[4].

الإعلامُ الحاضر يتوجّه إلى المؤمنين وإلى جميع الذين يَنشُدون الحقيقة[5]. إنه يحتوي على ثلاثة أقسام: الأول يذكّر ببعض النواحي الأنتربولوجيّة واللاهوتيّة والخلقيّة البالغة الأهميّة؛ ويواجه الثاني المعضلات الجديدة المرتبطة بالإنجاب؛ ويكبُّ الثالث على دراسة الاقتراحاتِ العلاجيّة الحديثة التي تشملُ إِجراءَ تلاعبٍ بالمضغة أو تراث الإنسان الجيني.

 

القسم الأول

النواحي الأنتروبولوجيّة واللاهوتيّة والخلقيّة

للحياة وللإنجاب البشريّ

4. خلال العقود الأخيرة، وسّعت العلوم الطبيّة كثيراً معارفها حول الحياة البشريّة في مراحل تكوينها الأولى. فتوصلت إلى معرفةٍ أفضل للبنى البيولوجيّة وسياق نشوئها. تلك التطوّرات، الإيجابيّة بالتأكيد، تستحقُّ أن تساندَ عندما تُستَخدم للتغلّب على أمراضٍ أو لشفائها، وعندما تُسهم في إعادة المسارات التوليدية إِلى وظيفتها الطبيعية. وهي، بعكس ذلك، تعتبر سلبية وغير مقبولة تالياً، لا يمكن المصادقة عليها، عندما تفترض إلغاءَ كائناتٍ بشريّة أو تستخدم وسائل تضرّ بكرامة الشخص البشري. وكذلك عندما تُستعمل لأهداف تعاكس خير الإنسان.

إن جسمَ الكائن البشريّ، منذ مراحل تكوينه الأُولى لا يُختزل أَبداً بمجموع خلاياه. هذا الجسم المضَغيّ يتطوّر تدريجاً، وفق «منهج» محدَّد بدقّة ولغاية خاصّة تتجلى عند ولادة كلّ طفل.

من هذا المنطلق، من الجدير أن نذكّر بالمعيار الخلقي الأساسيّ الذي صاغه التوجيه «الحياة هبة الله» كقاعدة للحكم في كلِّ القضايا الأدبيّة المتعلّقة بالتدخّلات والعمليّات الجارية على المضغة البشريّة: «إن ثمرة التناسل البشريّ تستلزم، منذ لحظة وجودها الأوُلى، أي منذ تكوين اللاقحة، احتراماً أدبياً بلا قيدٍ أو شرط يستوجبه الكائن البشريُّ في شمولية جسده وروحه. يجب احترام الكائن البشريّ والتعامل معه كشخص منذ لحظة الحبل به. ومن ثمَّ، يجب أن يُعتَرف له بحقوق الشخص، ومنها، في الطليعة، الحقُّ المصونُ بالحياة العائدُ إلى كلّ كائن بشريّ بريء»[6].

5. هذا التأكيد ذو الطابع الخلقيّ يقرّ العقلُ نفسُه بحقيقته وتطابقه مع الشريعة الأدبية الطبيعية؛ ويجب أن يكون أساساً لكل نظام قانونيّ[7]. وهو يفترض، في الواقع، حقيقةً كينونيّة الطابع، كانت هذه الوثيقة، قد أثبتت بموجبها استمرارَ تطوّر الكائن البشريّ على أساس معارفَ علميّة راسخة.

وإذا كان التوجيه «الحياة هبة الله» لم يحدِّد المضغة كشخص، كي لا يلتزم، بصراحة، تأكيداً ذا طابع فلسفيّ، غير أنه مع ذلك قد أشار إلى وجود ارتباطٍ ضمنيّ بين البعد الكينونيّ لكلّ كائن بشريّ وقيمته المميِّزة. حتى ومع انه من غير الممكن تلمّس وجود نفسٍ روحانيّة بواسطة أيّ رصدٍ اختباريّ المعطى، إلاّ أن الاستنتاجاتِ العلميّةَ نفسَها بشأن المضغة البشريّة «توفِّر دليلاً قيّماً كي يميِّز العقلُ وجوداً شخصيّاً لحياةٍ بشريّة منذ مطلع ظهورها: فكيف يمكن لفرد بشري ألاّ يكون شخصاً بشريّاً؟»[8]. في الواقع، إن حقيقة الكائن البشريّ، على مدى وجوده، قبل ولادته وبعدها، لا تسمح بتأكيد تبدّلٍ في الطبيعة ولا تدرّج في القيمة الأدبيّة، لأنه يملك سمةَ أنتروبولوجيّة وخلُقيّة تامة. الجنين البشري يتمتّع إذاً، منذ البدء، بالكرامة الخاصّة بالشخص.

6. احترامُ تلك الكرامة واجبٌ لكلِّ كائن بشريّ، لأن فيه انطبعت بطريقةٍ لا تُمّحى تلك الكرامة الخاصّة والقيمة العائدة إليه. من جهة أخرى، يشكّل الزواجُ والأسرةُ الإطار الأصيلَ حيث تجد الحياة البشريّة منشأها. في وسْطها، تنبثق الحياة من فعل يعبّر عن الحبّ المتبادل بين الرجل والمرأة. التوالدُ المسؤولُ حقّاً تجاه المولود الآتي «يجب أن يكون ثمرة الزواج»[9].

في كلِّ الأزمان والثقافات، يُعتبر الزواج «مؤسَّسةً حكيمة وضعها الخالق كي يتمّ في البشريّة تدبير حبّه. بواسطة العطاءِ الشخصيّ المتبادل، الخاصِّ والحصريّ، يتوق الزوجان إلى شراكةِ كيانهما، وإلى اكتمال شخصيٍّ متبادل، كي يُسهما مع الله في إيلاد حيواتٍ جديدة وتربيتها»[10]. في خصب الحبّ الزوجي، «يُظهر الرجلُ والمرأة بجلاء أنه، في أَساس حياتهما الزوجيّة، كان هناك «نَعَمٌ» حقيقيّ نَطقا به وعاشاه حقّاً في التبادل، بانفتاح دائم على الحياة [...] الشريعةُ الطبيعيّة، التي هي في أساس الاعتراف بالمساواة الحقيقيّة بين الأشخاص والشعوب، هي أهلٌ بأن يُعترف بها مصدراً يجب أن تستوحيَه أيضاً العلاقةُ بين الأزواج، المسؤولين عن انجاب أولاد جُدد. نقل الحياة مغروس في الطبيعة، وشرائعُه لا تزال تشكّل قاعدةً غيرَ مكتوبةٍ على الجميع أن يعودوا إليها»[11].

7. إن الكنيسة لمقتنعةٌ من أنَّ ما هو بشريٌّ لا يتقبّله إلايمان فحسب ويحترمه، بل ينقّيه أيضاً ويسمو به ويبلّغه الكمال. بعد أن خلق الله الإنسان على صورته كمثاله (تك 1: 26) وصف بأن ما خلقه «حسنٌ جدّاً» (تك 1: 31) وتولاّه في ما بعد في ابنه (را يو 1: 14). بسرّ التجسّد، أكدّ ابن الله كرامة الجسد والنفس اللذين يكوّنان الكائن البشريّ. لم يحتقر المسيحُ الجسد، بل أظهر معناه وقيمته الكاملين: «في الحقيقة، لا يتّضح سرّ الإنسان كاملاً إلاّ في سرّ الكلمة المتجسّد»[12].

وإذ صار الابنُ واحداً منّا أكّد أنه يمكننا أن نصير «أبناء الله» (يو 1: 12)، «مشاركين في الطبيعة الإلهيّة» (2 بط 1: 4). هذا البعدُ الجديد لا يتناقض وكرامةَ الخليقة التي يمكن جميعَ البشر أن يتعرّفوا عليها بالعقل. بل بالأحرى يرفعها ذلك البعدُ إلى أفقٍ لاحقٍ للحياة خاصٍّ بالله، ممّا يسمح بأن نفكر، بطريقةٍ أكثرَ تناسباً، في الحياة البشريّة والأعمال التي تعبّر عنها[13].

على ضوءِ معطيات الإيمان هذه، يأخذ الاحترامُ الواجبُ للكائن البشريّ والذي يتطلّبه العقلُ قوّةً أعظمَ ودعماً أكبر. لذلك ليس هنا من تناقضٍ بين تأكيد كرامة الحياة البشرية وطابعها المقدّس. «إن الطرق المختلفة التي بها يسهر الله على العالم وعلى الإنسان في التاريخ ليس فقط يُلغي واحدُها الآخر، بل على العكس من ذلك، فإنها تتدعّم وتتداخل. وهي كلُّها تنبع من تدبير الحكمة والمحبّة الأزليّ الذي به يسبق الله ويهيّىءُ البشر «ليكونوا مشابهين لصورة ابنه» (روم 8: 29)»[14].

8. بهذين البُعدين، البشريّ والإلهيّ، نفهم فهماً أفضل علّة وجود قيمة الإنسان التي لا يجوز انتهاكها: إنَّ له دعوةً أزليّة وهو مدعوٌّ إِلى أن يشارك الله في حبّه الثالوثي الحي.

هذه القيمة تنطبق على الجميع بدون تمييز. إن الكائن البشريّ، بمجرّد وجوده، يجب أن يُحترم كليّاً. في ما يخصّ الكرامة، يجب أن يُقصى دسُّ معاييرِ تمييز، على أساس التطوّر الأحيائيّ والنفسانيّ والثقافيّ أو الوضع الصحي. في الإنسان الذي خُلق على صورة الله، تنعكس، في كلّ مرحلة من مراحل وجوده، «صورةُ ابنه الوحيد [...] حبُّ الله هذا اللامتناهي للإنسان، والذي لا يمكن إدراكه نوعاً ما، يكشف إلى أيّ حدٍّ يليق بالشخصَ البشريَّ بأن يُحَبَّ من أجل ذاته، بمعزل عن أيّ اعتبارٍ آخر – الذكاء، الجمال، الصحّة، الشباب، الكمال، وما إلى ذلك. في النهاية، تُعتبر الحياةُ البشريّة على الدوام خيراً، فهي ”في العالم، اعتلانُ الله، وعلامةُ حضوره، وأثرٌ من مجده“(را إنجيل الحياة، 34)»[15].

9. هذان البُعدان للحياة البشريّة، الطبيعيُّ والفائقُ الطبيعة، يسمحان أيضاً بأن نفهم فهماً أفضل كيف إن الأعمال التي تسمح للكائن البشري بأن يولد والتي بها يتبادل الرجلُ والمرأةُ عطاءَ ذاتهما الواحد للآخر، شعاعاً من الحبّ الثالوثيّ. «الله، الذي هو حبّ وحياة، طبع في الرجل والمرأة الدعوة إلى مشاركة خاصة في سرّ الشراكة الشخصيّة وفي عمله كخالقٍ وآبٍ»[16].

إن الزواج المسيحيَّ «يعود بجذوره عميقاً إلى تكامل الرجل والمرأة الطبيعي، ويتغذّى بفضل إرادة الزوجين الشخصيّة في تقاسمِ كاملِ مشروعِ حياتهما، وما يملكان وما هما عليه: بذلك، إن مثلَ تلك الشراكة هي ثمرة وعلامة تطلّبٍ بشريٍّ عميقِ الجذور. أمّا في المسيح الربّ، فالله يأخذ ذلك التطلّب ويثبّته وينقّيه ويسمو به، ويوصله إلى الكمال بواسطة سرّ الزواج: الروحُ القدس الممنوحُ في أثناء الاحتفال بالسرّ يُفيض على العروسَين المسيحيَّين نعمة الشراكة الجديدة، شراكةِ الحبّ، الصورة الحيّة والحقيقيّة للوحدة الفريدة كليّاً التي تجعل من الكنيسة جسدَ المسيح السريّ غيرَ المنقسم»[17].

10. إن الكنيسة، في حكمها الأدبي على نتائج الأبحاث الطبيّة الحديثة بشأن الإنسان وأصوله، لا تتدخّل في الميدان الخاصّ بالعلم الطبيّ بحدّ ذاته، لكنها تذكّر جميع الأطراف المختصّة بمسؤوليّة أفعالهم الخلقيّة والاجتماعيّة. إنها تبيّن أن القيمة الخلقيّة للعلم الطبيّ الحيويّ تقاس بالعودة على السواء إلى الاحترامِ غيرِ المشروط الواجبِ لكلّ كائن بشريّ، في كلّ لحظة من لحظات وجوده، وإلى الحفاظ على خصوصية الأفعال الشخصيّة التي تنقل الحياة. إن تدخّل السلطة التعليميّة يندرج في إِطار رسالتها لتعزيز تنشئة الضمائر، إذ تعلّم بطريقةٍ صحيحةٍ الحقيقةَ التي هي المسيح، وفي الوقت عينه تعلن وتؤكد بسلطانٍ مبادىءَ النظام الأدبيّ النابعة من الطبيعة البشريّة نفسها[18].

 

القسم الثاني

المعضلات الجديدة المرتبطة بالإنجاب

 

11. على ضوء المبادىءِ الواردة أعلاه، يبدو من الضروريّ أن نتفحّص الآن بعض المعضلات العائدة إلى الإنجاب، والتي تبلورت صورتها أفضل، خلال السنوات التي تلت نشر التوجيه «الحياة هبة الله».

تقنيّات تساعد على الخصب

12. في ما يخصّ علاج العقم، يجب على التقنيّات الطبيّة الجديدة أن تحترم قيماً ثلاثاً أساسيّة:

أ- حقُّ كلّ كائنٍ بشريّ في الحياة وفي الكمال الجسمانيّ منذ الحبل به حتى الموت الطبيعيّ؛

ب- وحدة الزواج الذي يفترض الاحترام المتبادل لحقّ الزوجين في أن الواحد منهما أباً أَو أُماً من خلال الآخر فقط[19]؛

ج- القيمَ الإنسانية المميِّزة الخاصّة بالجنس التي «تتطلب أن يسعى الزوجان بالحبّ إِلى انجاب شخص بشري كثمرة لفعلهما الزوجي المميّز»[20]. التقنيّات التي تبدو وكأنها تساعد الإنجاب «يجب ألاّ تُقصى لأنها اصطناعيّة. بصفتها تلك، إنها تشهد لقدرات الفنّ الطبّيّ. لكن يجب أن تقوَّم أدبيّاً استناداً إلى كرامة الشخص البشريّ المدعوّ إلى أن يحقّق دعوته الإلهيّة إلى عطاءِ الحبّ وهبة الحياة»[21].

على ضوء هذا المقياس، يجب الامتناع عن جميع تقنيّات الإخصاب المختلف[22]، وتقنيّات الإخصاب الاصطناعيّ المتجانس[23] التي تنوب عن الجماع الزوجيّ. وفي المقابل، تحلّل التقنيّاتُ التي تساعد على الجماع الزوجي وخصبه. ينصّ التوجيه «الحياة هبة الله» على ما يلي: «الطبيب هو في خدمة الناس والإنجاب البشريّ؛ فلا يحقّ له أن يدفعهم إِلى أَي شيء ولا أن يقرّر عنهم. تحترم العمليّة الطبيّة كرامة الأشخاص عندما تهدف إلى مساعدة الجماع الزوجيّ، تسهيلاً لاكتماله وذلك بتمكينه من البلوغ إلى هدفه بعد أن يكون قدّ تمَّ طبيعيّاً»[24]. في ما يخصّ الزرع الاصطناعيَّ المتجانس، تؤكد الوثيقةُ ما يلي: «الزرع الاصطناعيّ المتجانس، في الزواج، لا يمكن قبوله، إلاّ عندما تساعد الوسيلة التقنية الجماع الزوجي على بلوغ غايته الطبيعية، لا عندما تحل محله»[25].

13. التقنيّات التي تهدف إزالة العوائق من أمام الإخصاب الطبيعيّ، مثلَ العلاجَ الهورمونيّ للعقم المنسَليّ المنشإ، والعلاج الجراحيّ لالتهاب بِطانة الرحم، وفتح القنوات (أَو) الأنابيب أو الترميم الجراحيّ المصغّر لنفوذيّتها، هذه كلّها جائزةٌ وشرعيّة. يمكن أن تُعتبر علاجاتٍ حقيقيّة، بقدر ما يتمكن الزوجان من إقامة علاقاتٍ زوجيّة في سبيل الإنجاب، بعد حلِّ المشكلة المسبِّبة للعقم، دون أن يتدخّل الطبيبُ مباشرةً في الجماع الزوجيّ بحدّ ذاته. لا ينوبُ منابَ الجماع الزوجيّ أيٌّ من التقنيّات تلك، بل يبقى هو حصراً الطريقة اللائقة بالإنجاب المسؤول.

نزولاً عند رغبة العديد من الأزواج العاقرين في أن ينجبوا ولداً، من المستحبّ أيضاً أن يشجَّع ويعزَّز ويسهَّلَ إجراءُ التبنّي لعددٍ كبيرٍ من اليتامى المحتاجين إلى كنف أسرة تُسهم في تنميتهم الإنسانيّة المناسبة، بعد اتخاذ التدابير التشريعيّة الملائمة.

أخيراً، تجدر الإشارة إلى أن الأبحاث والاستثمارات المخصّصة لتفادي العقم تستحقُّ أَن تشجَّع. إن قسماً لا يُستهان به من حالات عدم الخصوبة التي تُعرض اليوم على الطبيب، أكان من قبل الرجل أو المرأة، يمكن في الواقع تلافيَها، لو كانا أمينين أكثر لفضيلة العفة، ولو اعتمد الأفراد أسلوبَ حياةٍ أكثرَ سلامةً، ولو أزيلت عوامل المجازفة على أصعدة المهنة والغذاء والدواء والبيئة.

الإخصابُ في الأنبوب والإتلاف المعتَمد للمُضغ

14. سبق للتوجيه «الحياة هبة الله» أن أشار إلى أن الإخصاب في الأنبوب يفترض الإلغاءَ الإراديَّ الطوعيَّ لعددٍ مهمٍّ من المضَغ[26]. ظنَّ البعضُ أن ذلك يعود إلى تقنيّة ما زالت منتقَصة. على العكس من ذلك، بيّن الاختبار أن جميع تقنيّات الإخصاب في الأنبوب تجري في الواقع وكأن المضغة البشريّة هي كومةٌ بسيطةٌ من الخلايا تُستخدم وتُنتقى وتُنحّى.

بالطبع، إن ما يناهز ثلثَ النسوة اللواتي يلجأن إلى الإنجاب الاصطناعيّ، يحصلنَ على ولد. إلاّ أنّه، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار النسبة بين العدد الكامل للمضَغ المصنَّعة وتلك التي وُلدت فعلاً، نجد أن عدد المضَغ المضحَّى بها ما زال مرتفعًا جدّاً[27]. هذه الخسارات يرضى بها الأخصائيّون في تقنيات الإخصاب في الأنبوب، ثمناً يؤدّى للحصول على نتائج قاطعة. إنه لمن المقلق أن نرى، في هذا الميدان، إن البحث لا يكترث ولا يهتم حق الإهتمام بحق كل مضغة في الحياة، بل يهدف بشكل خاص إِلى تحسين نتائجه من زاوية نسبة المولودين المئوية مقارنة بالنسوة اللواتي باشرنَ علاجاً.

15. غالباً ما يُعترض على أنّ خسارات المضَغ تلك تحدث في معظم الأحوال عن غير عمدٍ أو حتى ضدَّ إرادة الأهل والأطبّاء. ويؤكَّد أن في ذلك مجازفاتٍ لا تختلف كثيراً عن تلك المرتبطة بالمسيرة الطبيعيّة للإنجاب، وأنَّ الإرادةَ في إيلاد الحياة دون التعرّض لأيّ خطر توازي عمليّاً الامتناعَ عن نقلها. بالطبع، جميعُ خسارات المضَغ في الإنجاب المختبريّ لا ترتبط، بالطريقة نفسها، بإرادة الأطراف المتلقّية العلاج. غير إنه يتبين أن إهمال المضغ وإتلافها أو خسارتها تتم، في حالات كثيرة، عن معرفة مُسبقة وقصد مُبيّت.

تُنحَّى بانتظام، المضَغ المكوَّنةُ مختبرياً التي تعتريها عيوب. وهناك أزواج أصحّاءُ منجبون يلجأون باطّراد إلى تقنيّات الإنجاب الاصطناعيّ، فقط لهدف إجراء انتقاءٍ جينيّ لأولادهم. الممارسة السائدة حاليّاً في العديد من البلدان تقوم على تنشيط الإباضة للحصول على عددٍ كبير من البُويضات فتُخصَّب. وعددٌ من تلك المُضغ التي يُحصل هكذا عليها تُنقل إلى الرحم، فيما تجلَّد الأخرى بانتظار عمليات إنجاب عتيدة في المستقبل. الغاية من النقل المتعدّد هي أن يُضمن، بقدر الإمكان، غرزُ مضغَة واحدة على الأقلّ. بلوغاً إلى هذا الهدف يُغرز عددٌ من المضغ يفوق عدد الأولاد المرجوّ، مع العلم المسبَّق بأن بعضها سيضيع وبأنه سيُتحاشى، في كلِّ الأحوال، حَمْلٌ متعدّد. وهكذا تشكّل تقنيّة النقل في الواقعمعالجةٌ آلية للمضغ لا غير. لا أَخلاقيات مهنة الطبّ ولا السلطات الصحيّة كانت لترضى، في أيٍّ من ميادين الطبّ، بتقنيّة تحمل معها ارتفاعاً مماثلاً لمعدل الإخفاقات والخسائر الشامل. في الواقع، إن تقنيّات الإخصاب في الأنبوب مقبولة، لأنه يُعتقد مسبَّقاً أن المضغة لا تستحقّ هنا كاملَ الاحترام، بقدر ما تنافس رغبةً من الواجب إشباعُها.

هذا الواقع المحزن، الذي يطويه غالباً الكتمان، يؤسف له جدّاً، ذلك إن «تقنيات الإنجاب الاصطناعي المختلفة، التي تتظاهر أنها في خدمة الحياة، وأنها ممارساتٌ غالباً ما تنطوي على هذه الغاية، هي في الواقع، تشرِّع البابَ واسعاً لاعتداءاتٍ جديدة ضدّ الحياة»[28].

16. تعتبرُ الكنيسةُ أيضاً أنه من المرفوض على الصعيد الخُلقيّ فصلُ الإنجاب عن إطار الجماع الزوجيّ الشخصيّ حصراً[29]: الإنجابُ البشريُّ هو فعلٌ شخصيّ يقوم به الزوجان، الرجل – المرأة، ولا يقبل أيَّ شكل من أشكال التفويض الاستبداليّ. إن القبول الهادئ لمعدل الإجهاض العالي جداً الذي تتسبّب به تقنيّات الإخصاب المختبريّ تظهر بجلاء أن استبدال الجماع الزوجيّ بإجراء تقنيّ، يُسهم في إضعاف وعي الاحترام الواجب لكلّ كائن بشريّ، علاوةً على مناهضته الاحترامَ الواجبَ للإنجاب، الذي لا يقتصر فقط على مجرّد معيار التوالد. الاعتراف بهذا الاحترام توفّره، على العكس من ذلك، الألفةُ بين الزوجين ينعشها الحبّ الزوجيّ.

إن الكنيسة تعترف بشرعيّة الرغبة في الإنجاب وتتفهّم آلام الأزواج الذين يعانون من معضلات العقم. إلاّّ أن هذه الرغبة لا يمكن أن تتعدّى كرامة الحياة البشريّة، إلى حدّ الحلول محلّها. الرغبة في ولد لا يمكن أن تبرّر «إنتاجه»، كما أنّ الرغبة في عدم الحمْل لا يمكن أن تبرّر إهماله أََو إتلافه.

في الواقع، إنّا لنشعر أن بعض البحّاثة الفاقدين كلَّ مرجعيّة خلقيّة والواعين القدرةَ الملازمةَ التقدّمَ التكنولوجيّ، ينقادون لمنطق الرغبات الشخصيّة وحسب[30]، وللضغط الماليّ البالغ التأثير في هذا الميدان. إزاء سيطرة الآلة على الكائن البشريّ في المرحلة الجينية، علينا التأكيد مجدَّداً أن «محبّة الله لا تفرّق بين الذي حُبل به ولا يزال في حشا أمّه، والولد أو الشاب أو ايضاً الإنسان الناضج أو المسنّ. إنها لا تفرّق، بل ترى في كلٍّ منهم وسمَ صورة الله ذاتها ومثاله [...] لذلك أعلنت السلطة التعليميّة في الكنيسة على الدوام الطابعَ المقدّس والمصون لكلّ حياة بشريّة، منذ الحبَل بها حتى نهايتها الطبيعيّة»[31].

حقنُ الحُيَيّات المنَويّة ضمن جِبِلّة الخليّة

17. بين تقنيّات الإخصاب الاصطناعيّ التي تطوّرت حديثاً، اتخذ تدريجاً أهميّةً كبرى حقن الحُيَيّات المنَوِيّة ضمن جبلَّة الخليّة[32]. فأصبحَ بلا منازع التقنيّة الأكثر استخداماً بسبب عظيم فعّاليّته وقدرته أيضاً على التغلّب على عدّة أصنافٍ من العقر الذكوريّ[33].

أسلوبُ الحقن (ICSI)، الذي يتفرع من التلقيح في الأنبوب، هو مثله تقنيّة غيرُ جائزة بحدّ ذاتها لأنها تفصل تماماً بين الإنجاب والجماع الزوجيّ. في الحقيقة، إن الحَقن (ICSI) يُجرى أيضاً «خارج جسد الزوجين، بواسطة أعمالٍ يقوم بها أشخاصٌ آخرون يحدّدون، بكفاءتهم ونشاطهم التقنيّ، نجاحَ العمليّة: إنه يسلم حياة المضيغة وهُوّيتها إلى سلطة أطبّاء وبيولوجيّين، ويسلّط التقنيّة على نشأة الشخص البشريّ ومصيره. إن علاقة التسلّط هذه تناهض، بحدّ ذاتها، الكرامة والمساواة التي يجب أن يتشارك فيهما الوالدون والأولاد. الحبَل المختبريّ هو نتيجة عمل تقنيّ يهيمن على الإخصاب؛ إنه لا يحصل عليه فعلاً ولا يُراد إيجابيّاً كتعبيرٍ وثمرةٍ لفعل يختص بالاتحاد الزوجي ويميّزه»[34].

تجميد المضغ

18. إحدى الوسائل المستخدمة لتحسين معدّل نجاح تقنيّات الإنجاب المختبريّ هي مضاعفة عدد العلاجات المتتالية. منعاً لتكرار سحب البُييضات من المرأة، يُجرى سحبٌ واحد لعدة بُييضات فتخصَّب ويُجمّد قسم كبير من المضغ (أَو الأجنّة) المخصّبة بهذه الطريقة[35]، تحسّباً لدورة ثانية من العلاج، في حال فشل الاختبار الأول، أو في الحالات التي يتمنّى فيها الأهل حمْلاً آخر. ويُلجأ أحياناً إلى تجميد المضَغ المعدَّة للنقل الأول، لأن التنشيط الهورمونيّ للدورة النسويّة يترك آثاراً تحمل على انتظار تطبيع أوضاع الوظائف العضويّة قبل مباشرة نقل المضغ إلى الرحم.

الحفظُ بالتبريد منافٍ للاحترام الواجب للمضغ البشريّة: إنه يفترض إنتاجها مختبريّاً، وتعرّضها لأخطارِ موتٍ جسيمة أو تشوهات جسدية، على ما يتبيّن من النسبة المرتفعة من المضَغ التي لا تصمد أمام تقنيّة التجميد وإزالته، إنه يحرمها، على الأقل موقّتاً، من التقبّل الأموميّ والنموّ في الحمْل ويعرّضها لإصاباتٍ وتلاعباتٍ لاحقة[36].

معظم المضَغ غيرِ المستخدمة تبقى «يتيمة». والأهل لا يطالبون بها، وأحياناً يُفقد أثرهم. وهذا ما يفسّر وجود بنوكٍ لآلاف من المضَغ المجمَّدة في أكثريّة البلدان التي تمارس الإخصاب المختبريّ.

19. في ما يخصّ العديد من المضَغ المجمّدة الموجودة حاليّاً، يُتساءَل ما العمل بها. يطرح البعضُ السؤالَ على أنفسهم، دون أن يعُوا البُعدَ الخلقيّ،  تحفزهم فقط ضرورةُ احترام القانون الذي يفرض بعد فترة من الزمن، بأن تُفرغَ مراكز الحفظ بالتبريد من تلك المضَغ، بانتظار تعبئتها من جديد. وعلى العكس من ذلك يتساءل البعض الآخر، وقد وعَوا خطورة الظلم المقترَف، كيف يلبّون واجب التعويض عن تلك الظُلامة.

وإن الدعوات إِلى استخدام تلك المضَغ في البحث أو تخصّيصها لأهدافٍ علاجيّة، مرفوضة قطعاً. فهذا الاستخدام يقود إِلى إِتلافها، إضافةً إِلى اعتبارها «مادة إحيائية» بحتة. والاقتراح بأن يُزال تجمّدُها، «فتُستخدم، دون إنعاشها، للبحث وكأنها جثثٌ وحسب» مرفوضٌ أيضاً بسبب المعضلة القاهرة من وجهة نظر التعاون في الشرّ والشك[37].

وكذلك الاقتراحُ بأن توضع تلك المضَغ في تصرّف أزواج عاقرين، «كعلاج للعقم» مرفوضٌ خلقيّاً للأسباب عينها التي تجعل الإنجاب الإصطناعي المغاير وكل أشكال الأمومة البديلة غير جائزة[38]. علاوةً على ذلك، تنطوي هذه الممارسة على العديد من المعضلات على الصعيد الطبيّ والنفسانيّ والقانونيّ.

اقتُرح أيضاً شكلٌ «من التبنّي ما قبل الولادة» كي تعطى فرصةُ الولادة لكائناتٍ بشريّة، وإلا حُكم عليها بالإتلاف. هذا الحلّ الجديرُ بالثناء في نواياه، كي تُحترم وتصان الحياة الإنسانيّة، ينطوي مع ذلك على بعض المعضلات التي لا تختلف عن تلك الواردة أعلاه.

في النهاية، علينا أن نلاحظ أن آلاف المضَغ المهمَلة تعبّر عن وضعٍ ظالمٍ لا يمكن تعويضُه في الواقع. لذلك أطلق يوحنا بولس الثاني «نداءً إلى ضمير المسؤولين في عالم العلم، وبالأخصّ إلى الأطباء، كي يوضعَ حدٌّ لإنتاج المضغ البشريّة، مع الأخذ بعين الاعتبار بأنه لا يُستَشرف أيُّ حلٍّ جائزٍ خلقيّاً من أجل المصير الإنسانيّ للآلاف المؤلّفة من المضَغ «المجمّدة» الحائزة - ولا تزال - على حقوقٍ جوهريّة، والتي، بالتالي، يجب إذاً صيانتُها قانونيّاً كأشخاصٍ بشريّة»[39].

تجميد البُييضات

20. في سبيل حلّ المعضلات الخلقيّة الخطيرة التي يطرحها حفظ المضَغ بالتبريد، اقتُرح، في إطار تقنيّات الإخصاب المختبريّ، بأن تجمّد البُييضات[40]. فعندما يُسحبُ العددُ المناسبُ منها، توقّعاً لعدّة دوراتٍ من الإنجاب الاصطناعيّ، تخصَّب فقط تلك التي ستُنقل إلى رحم الأم؛ فتجمَّد البقيّة حينئذٍ كي تخصَّب عند الاقتضاء وتُنقل في حال فشل المحاولة الأولى.

ينبغي أن نؤكّد، في هذا الشأن، أن حفظ البُييضات بالتبريد لاستخدامها في إنجاب اصطناعيّ يجب أن يُعتبر مرفوضاً خلقيّاً.

الاختزال المضَغيّ

21. سبَّب بعضُ التقنيّات المستخدَمة في الإنجاب الاصطناعيّ، بالأخص منها نقلُ عددٍ من المضَغ إلى رحمِ الأم، تزايداً لا يُستهان به في معدّل الحمْل المتعدّد. ففكّر المختصّون، في هذا الشأن، بتقنيّة تدعى «الاختزال المضَغي» تقوم على التدخّل لتقليص عددِ المضَغ أو الأجنّة الموجودة في الرحم، بإتلافها مباشرة. إن القرار بأن تُزال هكذا كائناتٌ بشريّة مرغوب فيها أساسً وبشدّة، يمثل مفارقة غريبة، ويسبّب غالباً للوالدين ألماً وشعوراً بالذنب يدومان سنوات.

من الوجهة الخلقيّة، الاختزال المضغيّ هو إجهاضٌ عَمْديّ انتقائيّ. لأنه، في الواقع، إقصاءٌ واعٍ ومباشر لواحدٍ أو للعديد من الكائنات البشريّة البريئة، في المرحلة الأولى من وجودها. بهذا الشكل يُعتبر الاختزال دائماً إخلالاً خطيراً بالنظام الخلقي[41]. هذا الحكم الأدبيّ يبقى صحيحاً حتى لو افتُرض – وهذا ما يجب إثباته في كلّ حالة على حدة – أن تلك التقنيّة تُستخدم، في إطار المعالجة الطبيّة لحمْلٍ متعدّد، بغية تحاشي الأخطار المحدقة، أكان بحياة الأم أم بحياة الأولاد المنتظَرين.

الحججُ المقدّمة لتبرير الاختزال المضغيّ خلقيّاً، غالباً ما تستند إلى مقارنات مع الكوارث الطبيعيّة أو حالات طارئة، لا يمكن فيها نجاة جميع الأطراف المعنية، على الرغم من حسن نيّة الجميع. هذه المقارنات، لا يمكن، بأيّ شكلٍ من الأشكال، أن يؤسس لحكمٌ أدبيٌّ لصالح عملٍ إجهاضيٍّ مباشر. في ظروف أخرى، يُلجأ إلى مبادىءَ أدبيّة، من مثل الشرّ الأدنى أو المفعول المزدوج من غيرِ الممكن أن تطبَّق في هذا الإطار. في الواقع، إنه لمن غير الجائز قطعاً القيام بفعل غيرُ جائز بحدّ ذاته، تحقيقاً لغاية صالحة: فالغاية لا تبرّر الوسائل.

التشخيصُ السابقُ التغريز

22. التشخيصُ السابقُ التغريز شكلٌ من أشكال التشخيص السابقِ الولادة، يرتبط بتقنيّات الزرع الاصطناعيّ. إنه يتضمّن التشخيص الوراثيّ للمضَغ المنتجة مختبريّاً، قبل نقلها إلى الرحم. تستخدم هذه التقنيّة بغية التأكد بألاّ يُنقل إلى الأمّ إلاّ مضغٌ خاليةٌ من كلّ عيب أو مضَغٌ من جنس معيَّن أو أيضاً مزوّدةٌ ببعض الصفات.

فيما تُفصَل، في أشكال التشخيصِ السابقِ الولادة، المرحلةُ التشخيصيّةُ عن مرحلة إمكان اطّراح الجنين، وفي تلك الأثناء يكون الزوجان حرَّين في تقبّل الولد المريض، يسبق التشخيصُ السابقُ التغريز عادةً إقصاء المضغةِ «المشبوهة» الحاملةِ عيوباً وراثيّة أو صِبغيّة، أو المضغةِ ذات الجنسِ غيرِ المرغوب فيه أو المتّسم بصفاتٍ مَرفوضة. هذا التشخيص – الملازم دائماً الإخصابَ الاصطناعيَّ غيرَ الجائز بحدّ ذاته – يهدف في الحقيقة إلى انتقاءٍ نوعيّ ينجم عنه إتلاف المضَغ، ويتمثَّل بممارسة إجهاضٍ مبكّر. التشخيصُ السابقُ التغريز هو إذاً تعبير عن ذهنيّة تحسين النسل «التي ترضى بالإجهاض الانتقائيّ منعاً لولادة أطفالٍ مصابين بشتّى أنواع التشويه. إن مثلَ هذه الذهنيّة لمشينةٌ ومُدانة على الدوام، لأنها تدّعي (تقييم قيمة) الحياة البشرية فقط بحسب مقاييس حالة الجسد الطبيعية وسلامته، وتفسح تالياً في المجال، لتبرير قتل الأطفال والموت الرحيم»[42].

بالتعامل مع المضغة البشريّة وكأنها محضُ «مادّة مختبريّة» يشوّه مفهوم الكرامة البشرية نفسه ويطاله التمييز. الكرامة تحقُّ بالتساوي لكلّ كائن بشريّ ولا ترتبط لا بالمشروع الوالديّ ولا بالوضع الاجتماعيّ ولا بالتربية الثقافيّة ولا بمرحلة النموّ الجسديّ. وإذا كان التمييز قد مُورس في حقبات سابقة، بسبب العرق والدين والوضع الاجتماعي. بالرغم من القبول العام لمفهوم الكرامة البشرية ومقتضياتها، نشهد اليوم تمييزاً لا يقلّ خطورةً وظلماً، عمّا سبق، يؤدّي إلى نكران الوضع الخلقيّ والقانونيّ لكائنات بشريّة مصابة بأمراضٍ عضالة وبإعاقات: فننسى هكذا أن المرضى والمعوَّقين لا يشكلون صنفاً على حدة؛ فالمرض أو الإعاقة هما جزءٌ لا يتجزّأ من الوضع البشريّ ويعنيان الجميعَ شخصيّاً، حتى ولو كنّا لا نختبرهما مباشرة. إن مثل هذا التمييز لمنافٍ للأخلاق ويجب أن يشجبه القانون؛ وكذلك، يجب نزع جميع الحواجز الثقافيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة التي تقوّض كامل الاعتراف والحماية للمعوَّقين والمرضى.

أشكالٌ جديدةٌ لمنع الحمل: الاعتراض وقطع مدّة الحبَل

23. إلى جانب أساليب منع الحمل بحصر المعنى التي تعوق الحمْل بعد الجِماع، هناك وسائل تقنيّة أخرى تعمل بعد الإخصاب، قبل أو بعد تغريز المضغة الناشئة في الرحم. تسمّى تلك التقنيّات معترضة عندما تحدث قبل تغريز المضغة في رحم الأم، وقاطعة لمدّة الحبَل إذا تسبّبت باطّراح المضغة المفرزة للتوّ.

تشجيعاً لانتشار وسائل الاعتراض[43]، يؤكَّد أحياناً أن آليّة عملها غيرُ معروفة بما فيه الكفاية. لا تتوفّر بعدُ حقّاً معرفةٌ مستفيضةٌ لآليّة عمل مختلف العوامل المستخدمة. لكن الدراسات الاختباريّة تُظهر أنَّ مفعول منع التغريز واقعٌ بالحقيقة، حتى لو لم يعنِ ذلك أن وسائل الاعتراض تسبّبت بالإجهاض كلَّ مرة اعتُمدت، لأنّ الجِماع لا ينجم عنه دائماً إخصاب. إلاّ أنه من المناسب أن نشير إلى أنَّ نية الإجهاض حاضرة عموماً لدى كل من يمنع تغريز المضغة ويسعى لذلك وراء عناصر هذا المنع أَو يأمر بها.

عندما يلاحظ تأخيرٌ حيضيّ، يُلجأ أحياناً إلى قطع مدّة الحَبل[44]، بعد مرور أسبوع أو اثنين من التحقّق على هذا التأخير المذكور. الهدفُ المعلن هو إعادة انتظام الحيض، لكن في الواقع، يتبيّن أن في الأمر إجهاضاً للمضغة التي بالكاد أتمّت التغريز في الرحم.

من المعلوم أن الإجهاض «هو قتل متعمد ومباشر، لكائن بشريّ في مرحلة وجوده الأُولى، التي تمتد من الحَبل به إِلى ولادته»[45]. لذلك فإن استخدام وسائل الاعتراض أو قطع مدة الحمْل يصنف في خانة خطيئة الإجهاض ويبقى عملاً خطيراً لا أخلاقيّاً. علاوةً على ذلك، عندما يتأكد المرءُ من اقترافه إجهاضاً، يستحقّ، وفقاً للحق القانوني[46]، عواقب جزائيّةً خطيرة.

 

القسم الثالث

اقتراحاتٌ علاجيّة حديثة

تشمل إجراء اختبارات على المضغة

أو التراث الجينيّ البشريّ

 

24. في غضون السنوات الأخيرة، أفسحت المعارفُ المكتسَبة المجالَ أمام أبعادٍ علاجيّة حديثة لخدمة الطبّ الأحيائيّ المجدِّد ولعلاج الأمراضِ الجينيّةِ الطابَع. على العكس من حالة الخلايا الأمّ البالغة، أثار البحثُ حول الخلايا الأمّ المضَغيّة، وبالأخصّ حول تطبيقاتها العلاجيّة المستقبَليّة الممكنة، اهتماماً بالغاً، حتى لو لم تقدِّم تلكَ الخلايا، حتى اليوم، براهينَ عن فعّاليّتها في حقل الطبّ السريريّ. فمنذ اللحظة التي اعتبرَ البعضُ فيها أن النتائجَ العلاجيّة الممكنَ الحصولُ عليها بفضل الخلايا الأمّ المضَغيّة بإمكانها أن تبرّر مختلف أشكال الاختبار أو إتلاف المضَغ البشريّة، طُرحت في ميدان العلاج الجينيّ والاستنساخ واستخدام الخلايا الأمّ البشريّة، مجموعةٌ من الأسئلة تستوجب تمييزاً أدبيّاً دقيقاً.

 

 

العلاج الجينيّ

25. تعني العبارة العلاج الجينيّ عموماً بأن تطبّق على الإنسان تقنيّات «الهندسة» الجينيّة لهدف علاجيّ، أي سعياً لشفاءِ أمراضٍ جينيّة الأصل، حتى ولو كان يُسعى منذ بعض الوقت لتطبيق العلاج الجينيّ في إطار علاج أمراضٍ غير وراثيّة، وبالأخصّ السرطان.

من الممكن مبدئيّاً أن يطبَّق العلاجُ الجينيُّ على مستويَين: مستوى الخلايا البدَنيّة ومستوى الخلايا الجذريّة. العلاجُ الجينيُّ البدنيُّ يبغي إلغاءَ أو تقليص العيوب الجينيّة الموجودة على مستوى الخلايا البدنيّة، أي الخلايا غير المولِّدة التي تؤلّف نسائجَ الجسم وأعضاءَه. في هذه الحال، تتوجّه العمليّات إلى قطاعات محدّدة من الخلايا، تنجم عنها نتائج محدودة تُحصر في الفرد الواحد الخاضع للعلاج. في المقابل، يهدف العلاج الجينيّ الجذريّ إلى تصحيح عيوبٍ جينيّة في خلايا النسل الجذريّ، كي يمكن نقل النتائج العلاجيّة الحاصلة للفرد إلى ذريّته العتيدة. عمليّاتُ العلاج الجينيّ هذه، البدنيّة منها أو الجذريّة، يمكن أن تُجرى على الجنين قبل الولادة – فتسمّى حينئذٍ علاجاً جينيّاً في الرحم – أو بعد الولادة، على الطفل أو الإنسان البالغ.

26. الحكمُ الأدبيُّ على العلاج الجينيّ يجب أن يأخذ بعين الاعتبار هذين التمييزَين. علاجات الخلايا البدنيّة لغاياتٍ محض علاجيّة هي، مبدئيّاً، جائزة أدبيّاً. تهدف تلك التقنيّات إلى إعادة تحديد الشكل الجينيّ الطبيعيّ الذي يميّز الفرد، أو التعويض من الأضرار التي سبّبتها شذوذٌ جينيّة أو أمراضٌ أخرى مرتبطةٌ بها. لما كان العلاج الجينيّ يمكن أن يحتوي على مجازفات هامة تطال المريض، يجب اتّباعُ المبدإ العامّ الخاصّ بآداب مهنة الطبّ: فالمبادرة بمحاولة علاجيّة يجب أن تضمن، بالضرورة مسبَّقاً، عدم تعرُّض المريض لأخطار مفرطة  في صحّته أو في كمال جسمه أو لا تتناسب وخطورة المرض المعالَج. ومن المفروض أيضاً الحصول على رضى المريض النيّر أو رضى من يمثّله شرعاً.

أمّا الحكم الأدبيّ على العلاج الجينيّ الجذريّ فإنه على العكس مغاير. كلُّ تبديل جينيّ في الخلايا الجذريّة لشخص ما يمكن أن ينتقل إلى ذرّيته العتيدة. ولمّا كانت الأخطار المرتبطة بكلّ معالجة جينيّة هامّةً ولا يمكن التحكم بها، فإنه من غير المقبول أدبيّاً، في وضع الأبحاث الراهنة، العملُ مع إمكان التعرّضِ لخطر انتقال الأضرار المحتملة المرتبطة بالعمليّة الجينيّة إلى النسل. وإذا افتُرض أن طُبّق العلاج الجينيّ على المضغة، يُضاف أنه لا يمكن تحقيقه إلاّ في الإطار التقنيّ للإخصاب المختبريّ، فيواجه حينئذ جميعَ الاعتراضات الخلقيّةَ المتصلة بتلك الإجراءات. لهذه الأسباب، يجب إذاً التأكيد، أنَّ العلاجَ الجينيَّ الجذريّ، في الوضع الراهن، وفي كلّ أشكاله، غيرُ جائزٍ أدبيّاً.

27. إن افتراض الغايات الطبيّة لتقنيّة «الهندسة» في ميدان علم الوراثة المغايرة لتقنيّة «الهندسة» العلاجيّة، تستحق اهتماماً خاصاً. يعزم بعضُ الباحثين على استخدام تقنيّات «هندسة» جينيّة لتحقيق معالجاتٍ تهدف افتراضاً إلى تحسين أو تقوية التزويد الجينيّ. بعض الاقتراحات في هذا الصدد تكشف عن نوع من عدم الرضى أو حتى الرفض لقيمة الكائن البشريّ بصفته خليقةً وشخصاً موسوماً بالمحدوديّة. إضافةً إلى صعوبات تنفيذ مثل تلك التقنيّة، مع كلّ المجازفات الحقيقيّة أو المحتمَلة المرتبطة بها، من الواضح أن مثل تلك العلاجات توفّر ذهنيّةً تخضع لتحسين النسل وتصم بالعار الاجتماعيّ غيرِ المباشر الذين لا يتمتّعون ببعض الصفات الخاصّة. علاوةً على ذلك، تركّز تلك العلاجات على صفاتٍ تقدّرها ثقافاتٌ أو جماعاتٌ معيَّنة، صفاتٍ لا تشكّل بحدّ ذاتها ما يميّز الإنسان. وهذا ما يناقض الحقيقة الجوهريّة الداعية إلى التساوي بين جميع الكائنات البشريّة، الذي يعبّر عنه مبدأُ العدالة، الذي، إذا ما طال انتهاكه، يهدّد، في النهاية، العيشَ المشترك السلميَّ بين الأفراد.

بالتالي، إلى من يعود تحديدُ ما هو إيجابيّ في تلك التبديلات وما هو سلبيّ؟ وما هي حدود الالتماسات الفرديّة للتحسين المزعوم، إذا لم يكن بالإمكان تلبية رغبات كلّ إنسان؟ الجواب المحتمل عن هذه التساؤلات سوف يرتكز، في كلّ الأحوال، على معاييرَ اعتباطيّةٍ وقابلةٍ للنقاش. كلُّ ذلك يقود إلى الاستنتاج بأن مثل هذا التدخّل سوف يفضي، عاجلاً أم آجلاً، إلى الضرر بالخير العام، بفرض إرادة البعض على حريّة الآخرين. أخيراً، من الجدير أن نشير إلى أن في السعي لخلق جنس بشريّ جديد، يتجلّى بعدٌ إيديولوجيٌّ يدّعي الإنسانُ بموجبه أن يحلَّ محلَّ الخالق.

إن الكنيسة، بتأكيدها، على الصعيد الخلقيّ، الطابَعَ الذي لا يمكن التسليمُ به لمثل هذا النوع من المداخلات التي تفترض سيطرةً ظالمةً من الإنسان على الإنسان، تذكّر أَيضاً بضرورة العودة إلى رؤية تعتني بالأشخاص وتربّيهم على استقبال الحياة البشريّة في محدوديّتها التاريخيّة الواقعيّة.

 

 

الاستنساخ البشريّ

28. الاستنساخ البشريّ يعني الإنتاجَ العادمَ الجنس والثمر لكامل الجسم البشريّ كي يُصنع منه واحدةٌ أو عدةُ «نُسخ» شبيهة في جوهرها، من وجهة النظر الجينيّة، بالأصل (progéniteur) الفريد[47].

للاستنساخ هدفان أساسيّان: الواحد إنتاجيّ، يهدف إِلى إِيلاد ولد مُستنسخ، والآخر علاجي أَو معد للبحث. يظهر أن الاستنساخ الإنتاجيّ قد يلبّي نظرياً بعض الحاجات المعيّنة، مثل مراقبة التطوّر البشريّ، واختيار كائنات بشريّة تتمتع بأوصاف عالية، والاختيار المسبَّق لجنس الطفل العتيد، وإنتاج ولد يكون «نسخة» عن ولد آخر، وإنتاج ولد لزوجين يعانيان أصنافاً من العقم ليس لها حلولٌ علاجيّةٌ أخرى. بالمقابل، يُطرح الاستنساخُ العلاجيُّ كوسيلةٍ لإنتاج خلايا أمّ مضَغية مزوَّدة بإرثٍ جينيّ محدَّد مسبّقاً، للتغلّب على معضلة رفض الجسم لأعضاء غريبة (من باب المناعة أو عدم الانسجام)؛ إنه مرتبطٌ إذاً بقضيّة استخدام الخلايا الأمّ المضغيّة.

أثارت محاولات الاستنساخ اهتماماً بالغاً في العالم أجمع. وأصدرت عدّة منظمات على الصعيدين الوطنيّ والدوليّ أحكاماً سلبيّة بحقّ الاستنساخ البشريّ وقد عملت معظم البلدان على منعه. الاستنساخُ البشري غيرُ جائز بحدّ ذاته بمقدار ما يهدف، على الصعيد الخلقيّ، أن يولّدكائناً بشريّاً جديداً لا يمتُّ بأيّ صلة إلى فعل العطاء المتبادل بين الزوجين، وبجذريّة أكبر، لا صلة له بالفعل الزوجي، ويذهب الاستنساخ البشري هكذا بالحكم الأدبي الخاص بتقنيّات الإخصاب الإصطناعي إِلى حدّ السلبية القصوى. هذا الوضع يثير تجاوزاتٍ وعمليّاتٍ تسيءُ بشدّة إلى الكرامة البشريّة[48].

29. إذا كان هدفُ الاستنساخ إنتاجاً، فُرض على الشخص المستنسَخ إرثٌ جينيٌّ محدَّدٌ مسبّقاً، إذ أُخضع فعلاً – وهذا ما قيل – لنوعٍ منالعبوديّة الأحيائيّة يصعب عليه التحرّر منها. إن مجرّد أن يستأثر شخصٌ بحقّ التحديد الاعتباطيّ للمميّزات الجينيّة لشخصٍ آخر، يُعتبرُ تعدياً خطيراً على كرامته وعلى المساواة الأساسيّة بين البشر.

إن أصالة كلِّ شخص تنجم عن العلاقة الخاصّة القائمة بين الله والإنسان منذ اللحظات الأولى من وجوده. وهذا ما يوجب احترامُ فرادتها وكمالها، على كل الصُعد، ومن بينها الصعيدين الإحيائي والجيني. كلُّ واحدٍ منا يلتقي في الآخر كائناً بشريّاً يدين بوجوده ومميّزاته الخاصّة لحبّ الله، الذي يشكل حبّ الزوجين وحد واسطته التي تتوافق وتدبيرَ الخالق والآب السماويّ.

30. إن ما يُدعى أنه استنساخٌ علاجيّ هو أيضاً، على الصعيد الخلقيّ، أكثر خطراً. خلقُ مضغ بهدف إزالتها يتنافى كليّاً والكرامةَ البشريّة، حتى لو كان القصدُ من ذلك إعانةَ المرضى، إذ نجعل من وجود كائن بشريّ، حتى في مرحلته المضغيّة، ليس أكثر من وسيلة للاستخدام والإتلاف. إنها لمنافيةٌ للأخلاق كليّاً التضحيةُ بحياة بشريّة لهدف علاجي.

الاعتراضات الخلقيّة التي أثارها عدّة أشخاص ضدّ الاستنساخ العلاجيّ وضدّ استخدام المضغ البشريّة المنتجة مختبريّاً حملت علماءَ على البحث عن تقنيّات جديدة، عُرضت وكأنها قادرة على إنتاج خلايا أمّ من نوع مضَغيّ، دون التسبّب مع ذلك في إتلاف مضغ بشريّة حقيقيّة[49]. أثارت تلك العروض الكثير من التساؤلات على الصعيد العلميّ والخلقيّ، وبالأخصّ في ما يعني الوضع الكينونيّ «للمنتوج» الحاصل. طالما لم تبدَّد تلك الشكوك، يجب الأخذ بعين الاعتبار ما أكدّته الرسالة العامة «إنجيل الحياة»: «الرهانُ خطيرٌ إلى حدّ أنه، من وجهة نظر الواجب الأدبيّ، يكفي احتمالُ الوقوف أمام شخص بشريّ كي يبرَّر التحريمُ الجازمُ لأيّ تدخّلٍ يُفضي إلى إلغاء المضغة البشريّة»[50].

الاستخدام العلاجيّ للخلايا الأمّ

31. الخلايا الأمّ هي خلايا غير متميّزة تتمتّع بخاصيتين أساسيتين:

أ- القدرة الدائمة على التكاثر دون التمايز؛

ب- القدرة على إيلاد خلايا مولّدة انتقاليّة، تتولّد منها الخلايا الأمّ الأكثر تمايزاً، مثل الخلايا العصبيّة والعضليّة والدمويّة.

منذ أن تأكد اختباريّاً أنه عندما تُنقل الخلايا الأمّ إلى نسيج معطوب، تميل إلى توفير التزويد بالخلايا وتجدّد الأنسجة، انفتحت رؤى جديدة أمام الطبّ المجدِّد، باعثاً اهتماماً عظيماً في صفوف الباحثين في العالم أجمع.

مصادرُ الخلايا الأمّ المعروفة حتى الآن عند الإنسان هي: المضَغ في المراحل الأولى من نموّها، الجنين، دمُ حبْل السُّرّة، أنسجة مختلفة عند الإنسان البالغ (النخاع الشوكي، حبْل السُّرّة، الدماغ، مُدمية أعضاء مختلفة، إلخ) والنَّخط (أي سائل غشاء الجنين الداخليّ). في البدء، دارت الدراسات حول الخلايا الأمّ المضغيّة، للاعتقاد بأنها وحدها تملك قدرة عظيمة على التكاثر والتمايز. لكن عدداً من الأبحاث أظهر مع ذاك أن الخلايا الأمّ البالغة، تتمتّع هي أيضاً بحركة كبيرة. مع أنّ تلك الخلايا لا تبدو متمتّعة بالقدر عينه من التجدّد والمرونة كالخلايا المضغيّة، إلاّ أن دراساتٍ واختباراتٍ علميّة رفيعةَ الشأن تقرّ لها بنتائج طبيّة سريريّة في غاية الإيجابيّة، بعكس ما توفّره الخلايا المضغيّة. تتوقّع المراسمُ العلاجيّة المرعيّة الإجراءِ حاليّاً استخدام الخلايا الأمّ البالغة؛ في هذا الصدد نُشّطت عدّةُ سبل بحثٍ تستشرف آفاقاً جديدة واعدة.

32. في ما يخصُّ الحكم الخلقيّ، يجب الأخذ بعين الاعتبار معاً أساليبَ انتزاع الخلايا الأمّ والأخطارَ الناجمة عن استخدامها السريريّ أو الاختباريّ.

في ما يخصّ الأساليب المستخدمة لجمع الخلايا الأمّ، يجب أخذُ مصدرها بعين الاعتبار. تُعتبر جائزةً الأساليبُ التي لا تُلحق ضرراً خطيراً بالشخص الذي تنتزع منه الخلايا الأمّ. هذا الشرطُ يتحقق عادةً في الحالات التالية: انتزاع

أ- أنسجة من جسم بالغ؛

ب- من دم حبْل السُّرّة ساعة الولادة؛

ج- من أنسجة الأجنّة المائتة موتاً طبيعيًّا.

على العكس من ذلك، إن انتزاع خلايا أمّ من مضغة بشريّة حيّة يُتلفها لا محالة، وهو لذلك غيرُ جائزٍ بتاتاً. في هذه الحال، «لا يقوم البحث بخدمة الإنسانيّة، مهما كانت نتائج المنفعة العلاجيّة. لأنه، في الواقع، يمرّ بإلغاء حيواتٍ بشريّة تتمتّع بالكرامة نفسها بالنسبة إلى البشر الآخرين وإلى الباحثين أنفسهم. دان التاريخُ نفسه في الماضي ولسوف يدين في المستقبل مثلَ هذا الصنف من العلم، ليس لأنه فاقدٌ نورَ الله فحسب، بل أَيضاً لأنه عديمُ الإنسانيّة»[51].

إن استخدام خلايا أمّ مضغيّة أو خلايا متمايزة تتولّد منها، أو يوفّرها لربّما بحّاثة آخرون، أو ناجمة عن إتلاف مضغ، أو متيّسرة في السوق، كلّ هذا يطرح قضايا خطيرة على صعيد التعاون في الشرّ والشك[52].

لا اعتراضاتٍ أدبيّةً في ما يتعلّق بالاستخدام السريريّ لخلايا أمّ حُصل عليها بأساليب جائزة. إلاّ أنه يجب احترام المعايير العاديّة الخاصّة بآداب مهنة الطبّ. في هذا الصدد، يجدر التصرّف بكثير من الحزم والفطنة، وذلك بتقليص المخاطر التي قد تلحق بالمرضى إلى حدها الأدنى، وتيسير النقاش بين العلماء، وتوفير إعلام كامل لعموم الشعب.

من الواجب تشجيع دفع البحث ومساندته حول استخدام الخلايا الأمّ البالغة، لأنه لا ينطوي على مسائل خلقيّة[53].

محاولات التهجين

33. منذ عهد قريب، استُخدمت بويضاتُ حيواناتٍ لإعادة برمجة نواة خلايا بدنيّة بشريّة. هذه الطريقة المسمّاة عادةً استنساخاً هجيناً، تهدف إلى استخلاص خلايا أمّ مضغيّة من مضغ منتجة، دون اللجوء إلى استخدام بويضات بشريّة.

على الصعيد الخلقيّ تشكّل مثلُ هذه التقنيّات إهانةً لكرامة الكائن البشريّ، لأنها تمزج عناصرَ جينيّة بشريّة وحيوانيّة بإمكانها أن تلحق ضرراً بهوّيّة الإنسان المميّزة. إن الاستخدام المحتمل لخلايا أمّ، مستخرَجة من تلك المضغ، ينطوي أيضاً على أخطار إضافيّة ما زالت مجهولة تلحق بالصحّة، لوجود مادّة جينيّة حيوانيّة في جبلَّة الخليّة. أن يعرَّض الكائنُ البشريُّ بوعي لهذه الأخطار مرفوضٌ أدبيّاً وبحسب الأخلاق الطبيّة.

 

استخدام «المادة الأحيائيّة» البشريّة غيرِ الشرعيّة المصدر.

34. تُستخدم أحياناً، في سبيل البحث العلميّ أو لإنتاج اللقاحات أو منتجاتٍ أخرى، ذريّاتُ خلايا مستخرجةٌ من تدخّل غير جائز ضدّ الحياة وضدّ كمال الكائن البشريّ الجسديّ. الارتباطُ مع العمل  الظالم يمكن أن يكون مباشراً أو غيرَ مباشر، وفقاً لتكاثر الخلايا إجمالاً بسهولة وبوفرة. هذه «المادة» تسوّق أحياناً أو توزّعها مجاناً في مراكز الأبحاث منظماتٌ عامةٌ يحوّلها القانون. كلُّ هذا يثير قضايا خلقيّة مختلفة في موضوع التعاون مع الشر والشكّ. من الجدير إذاً عرضُ المبادىء العامة التي، انطلاقاً منها، تمكّن العاملين ذوي الضمير القويم أن يحكموا في الأمر ويجدوا حلاًّ للأوضاعِ المحتَملِ أن يواجهوها في سياق عملهم المهنيّ.

من الواجب التذكير أن الحكم الأدبيّ نفسه الصادر ضدّ الإجهاض «يطبَّق أيضاً على الأساليب الحديثة في معالجة المضغ البشريّة، تلك الأساليب التي تنطوي حتماً على القتل، فيما تسعى لأهداف بحدّ ذاتها شرعيّة. تلك هي حال الاختبار على المضغ، الذي يتزايد انتشارُه في حقل البحث الطبيّ الأحيائيّ والمقبولُ شرعاً في بعض الدول [...]. استخدام المضغ أو الأجنّة البشريّة مادّةً للاختبار يشكّل جريمة ضدّ كرامتهم ككائناتٍ بشريّة، يحقّ لها الاحترامُ نفسُه الواجبُ للطفل المولود ولكلّ شخص»[54]. هذه الأشكال من الاختبار تُعتبر دوماً خللاً أدبيّاً خطيراً[55].

35. حالة أخرى خطيرة يجب أخذها بعين الاعتبار هي استخدام البّحاثة «مادّة أحيائيّة» محظورةَ المصدر، أُنتجت خارج مراكز أَبحاثهم أو موجودةً في السوق. أصدر التوجيهُ «الحياة هبة الله» مبدأً عامًّا من الواجب التقيّدُ به في تلك الظروف، ورد فيه: «من الواجب احترامُ جثث المضغ أو الأجنّة البشريّة، المجهَضة عمداً أو لا، مثلما تُحترم جثث الكائنات البشريّة الأخرى. وبالأخصّ، لا يمكن أن تُخضع لبتر أعضاءٍ أو تشريح، إذا لم تتأكد وفاتُها، وبدون موافقة الوالدين أو الأمّ. علاوةً على ذلك، تجب صيانة الالتزام الأدبيّ الذي يُقصي كلَّ تواطوءٍ في جرم الإجهاض المتعمَّد، كذلك كلَّ خطر شك»[56].

في هذا الصدد ما زال غيرَ كافٍ معيارُ الاستقلاليّة الذي أصدره بعضُ لجان علم الأخلاق، أي التأكيد الذي يدّعي أن استخدام «مادّةٍ أحيائيّة» محظورةِ المصدر يُصبح جائزاً خلقيّاً بشرط أن يكون الفصلُ واضحاً من جهة بين الذين ينتجونها ويجمّدون الأجنّة ويتلفونها، وبين البحّاثة الذين ينتجون المضَغ ويجمّدونها ويقتلونها من جهة، والبحّاثة الذين يطوّرون اختباراتٍ علميّة من جهة أخرى. إن معيار الاستقلاليّة لا يكفي لتجنّب تناقضٍ في موقفِ مَن يدّعي عدمَ الموافقة على الظلم الذي يقترفه الآخرون، ولكن، في الوقت عينه، يرتضي لعمله «مادّةً أحيائيّة» يحصلُ عليها الآخرون بالظلم عينه. عندما توافق القوانين التي ترعى الجهاز الصحي والعلمي على ما هو غير جائز، من الواجب الابتعاد عن جور هذا الجهاز، كي لا يبدو المرء وكأنه يتسامح مع أفعال غاية في الظلم، أو يرضى ضمناً عنها[57]. إن ذلك ليُسهم في الواقع في تعزيز اللامبالاة أو الرضى اللذين بهما يُنظر إلى تلك الأعمال في بعض الأوساط الطبيّة والسياسيّة.

يُعترض أحياناً على أن الاعتبارات الواردة أعلاه تظهر وكأنها تفترض بأنَّ من واجب البّحاثة ذوي الضمير الحيّ المناهضةَ الشديدة لكلّ الأعمال غير الجائزة المتداولة في الميدان الطبيّ، موسِّعين بذلك مسؤوليتَهم الخلقيّةَ إلى أَقصى حدّ. واجبُ اتّقاءِ التعاون في الشرّ والشك يطال في الواقع نشاطاتهم المهنيّةَ الدارجة، الواجبَ توجيهُها باستقامة، فيما هم مدعوّون من خلالها إلى أن يشهدوا لقيمة الحياة، بمناهضتهم القوانين الظالمة الخطيرة. لذلك، يجدر التأكيد بأن واجب رفض «مادّةٍ أحيائيّة» ينجم عن واجب الفصل، في ممارسة عمل البحث الخاصّ، بين إطارٍ تشريعيّ ظالم للغاية، والتأكيد بوضوحٍ على قيمة الحياة الإنسانيّة- حتى في غياب كلِّ علاقة وثيقة للبحّاثة مع أعمال تقنيّي الإخصاب الاصطناعيّ أو أولئك الذين أجروا الإجهاض المتعمَّد، وحتى في غياب توافقٍ مسبَّق مع مراكز الإنجاب الاصطناعيّ-. بالنتيجة، إن معيارَ الاستقلاليّة الواردَ أعلاه ضروريّ، ولكن من الممكن أن يكون غير كافٍ، من وجهة النظر الخلقيّة.

في هذا الإطار العامّ، توجد بالطبع مسؤوليّات متمايزة وأسباب خطيرة يمكن أن توزّع نسبَها أدبيّاً لتبرير استخدام تلك «المادّة الأحيائيّة»؛ مثلاً، إزاء خطرٍ يهدّد صحّة الأولاد، يمكن أن يسمح الوالدون باستخدام لقاحٍ استُعملت في تحضيره سلالاتُ خلايا غيرُ جائزة المصدر. شرط أن يبقى سالماً واجبُ الجميع بأن يعبّروا عن استنكارهم الخاصّ لهذا الموضوع وأن يطالبوا الأجهزة الصحيّة بأن توفّر لهم أنماطاً أخرى من اللقاحات. من جهة أخرى، يجب الأخذ بعين الاعتبار أن مسؤولية الذين يقرّرون توجيه الإنتاج في المؤسَّسات التي تستخدم سلالاتِ خلايا غيرِ جائزة المصدر، ليست شبيهة بمسؤوليّة الذين لا يتمتّعون بأيّ سلطة قرار.

وفي إطار اللجوء الملح إِلى تعبئة الضمائر لصالح الحياة يجب تذكير أصحاب المهن في مجال الصحة بأن «مسؤوليّتهم تضاعفت اليوم جدّاً؛ إنها تستلهم عميقَ وحيها وتجدُ سنَدها الأَقوى حقّاً في البعد الخلقيّ الذي يلازم مهن الصحة ولا يجوز إهماله، كما سبق واعترف بذلكَ منذ القدم قسَمُ إيبوقراط، الدائم الواقعيّة، الذي يدعو كلّ طبيب إِلى الالتزام بالاحترام المطلق للحياة البشرية وطابعها المقدّس»[58].

 

خاتمـة

36. لقد اتُّهم أحياناً تعليمُ الكنيسة الأدبيّ بأنه ينطوي على الكثير من المحرَّمات. إنه يرتكز، في الحقيقة، على الاعتراف بالمواهب التي أغدقها الخالقُ على الإنسان وعلى تعزيزها، كالحياة والمعرفة والحريّة والمحبّة.

لذلك، لا تستحقُّ الاعتبارَ نشاطاتُ الإنسان الإدراكية فحسب، بل أيضاً نشاطاتُه العمليّة كالشغل والنشاط التقنيّ. فبفضلها يشارك الإنسانُ في قدرة الله الخالقة. إنه مدعوٌّ إلى أن يحسّن الخليقة، بإخضاعه المواردَ العديدة لصالح كرامة ورفاهة كلِّ الإنسان وجميع البشر، وليكون أيضاً الحارسَ لقيمته وجماله الذاتيّ.

إلاّ أن تاريخَ البشريّة يشهد على الطريقة التي بها أفرط الإنسانُ وما يزال في استغلال السلطان والقدرات التي عهد بها الله إليه، فتسبّب بأنماطٍ مختلفةٍ من التمييز الظالم ومن التعسّف ضدَّ الأكثر ضعفاً والذين لا ناصر لهم. التعدّياتُ اليوميّة على الحياة الإنسانيّة، ووجودُ مناطقِ فقرٍ شاسعة يموت الناس فيها جوعاً ومرضاً، مقصيّين عن إِمكانية البلوغ إلى المعارف النظريّة والعمليّة المتوفّرة وبكثرة، على العكس من ذلك، في العديد من البلدان؛ التطوّرُ التقنيُّ والصناعيُّ الآخذُ في التسبّب بخطر الانهيار الفعليّ للنظام البيئيّ؛ استخدامُ الأبحاث العلميّة في الفيزياء والكيمياء وعلم الأحياء لأهداف الحرب؛ النزاعاتُ العديدةُ التي ما زالت تفرّق الشعوبَ والثقافات، كلُّ ذلك ليس – ويا للأسف!- سوى علاماتٍ بليغة للطريقة التي بها يستطيع الإنسانُ أن يُسيءَ استخدامَ قدراته ويُصبح أسوأَ عدوٍّ لذاته، فاقداً وعيَه لسموِّ دعوته المميَّزة كمساهمٍ في عمل الله الخلاّق.

بالمقابل، يُظهر تاريخُ البشريّة تقدّماً حقيقيّاً في فهم قيمة كلِّ إنسانٍ وكرامته وفي الاعتراف بهما. إنهما أساسُ الحقوق والإلزامات الخلُقيّة التي بواسطتها عُمل وما زال على بناء الجماعة البشريّة. فباسم تعزيز كرامة الإنسان، حُظّر حقّاً ومنطقيّاً كلُّ تصرّف أو أسلوبِ حياةٍ يُلحقُ الضررَ به. في هذا الخط، تُعتبَر شهادةً واضحةً تؤدَّى للقيمة الثابتة لكلّ كائنٍ بشريّ ولكرامته الذاتيّة، وعلامةَ تقدّمٍ حقيقيّ تواكب تاريخ البشريّة، الإجراءاتُ القانونيّة - السياسيّة، وليس فقط الخلقيّة، المضادّة لأشكال العنصرية والعبودية المختلفة، وللتمييزات الظالمة، ولتهميش النساء والأولاد والمرضى أو المصابين بإعاقاتٍ مزمنة خطيرة. بمعنى آخر، إن شرعيّة كلّ حظر ترتكز على ضرورة صيانة خير أدبيّ حقيقيّ.

37. إذا كان التقدّمُ البشريُّ والاجتماعيُّ قد ميّزه، لدى انطلاقه، تطوّرُ الصناعةِ وإنتاجِ الموادِّ الاستهلاكيّة، فاليوم يميّزه تطوّرُ المعلوماتيّة والأبحاثِ في ميدان علم الوراثة والطبّ وتقنيّات علم الحياة المطبّقة على الإنسان. إنها قطاعاتٌ بالغةُ الأهميّة لمستقبل الإنسانيّة، لكنها أيضاً تسجَّل، في داخلها، تجاوزاتٌ دامغة لا يمكن القبول بها. «لقرنٍ مضى، كانت الطبقة العاملة مغبونةً في حقوقها الأساسيّة، فتجنّدت الكنيسة بكلّ شجاعة للذَّود عنها، معلنةً الحقوق القدسيّة لشخص العامل. كذلك، عندما يلحقُ الجورُ اليومَ فئةً أخرى من البشر في حقِّها الأساسيّ في الحياة، تشعر الكنيسة بواجب أن تكون، بالشجاعة نفسها، صوتَ من لا صوتَ لهم. إن صوتَها هو على الدوام صرخةٌ إنجيليّة لصالح الدفاع عن فقراء العالم، والمهدَّدين والمحتَقرين والمظلومين في حقوقهم الإنسانيّة»[59].

بمقتضى رسالة الكنيسة التعليميّة والراعويّة، شعر مجمعُ عقيدة الإيمان بواجب التأكيد مجدَّداً على كرامة كلّ كائنٍ بشريّ وحقوقه الأساسيّة الثابتة، حتى في المراحل الأولى من وجوده، وبواجبِ إيضاحِ متطلّباتِ الصيانة والاحترام التي يستدعيها من الجميع الاعترافُ بتلك الكرامة.

القيامُ بهذا الواجب يتطلّب الشجاعة في مناهضة جميع الممارسات التي تسبّب تمييزاً خطيراً وظالماً إزاء الكائنات البشريّة التي لم تولد بعدُ، والتي إذ هي مخلوقةٌ أيضاً على صورة الله، تتمتّع بالكرامة الإنسانيّة. وراءَ كلّ «لا»، في الاجتهاد للتمييز بين الخير والشرّ، ينعكس «نَعمٌ» كبير للاعتراف بالكرامة والقيمة الثابتتين لكلّ كائنٍ بشريّ فريدٍ ووحيدٍ مدعوٍّ إلى الحياة.

على المؤمنين أن يلتزموا بثبات تعزيزَ ثقافةٍ جديدة للحياة ويقبلوا ويمنحوا مضمون هذا التوجيه رضىً دينيّاً نابعاً من روحهم، عالمين أن الله يهب دائماً النعمة الضروريّة للتقيّد بوصاياه، وأنّا نلاقي المسيحَ نفسه في كلّ كائن بشريّ، وبالأخصّ في الأصاغر (را متى 25: 40). جميعُ الناس ذوي الإرادة الصالحة، وبالأخصّ الأطبّاء والبحّاثة المنفتحين على الحوار والراغبين في البلوغ إلى الحقيقة، سوف يعرفون هم أيضاً أن يفهموا ويتقبّلوا هذه المبادىءَ والأحكامَ الهادفة إلى صيانة وضع الكائن البشريّ الهشّ في المراحل الأولى من حياته وإلى تعزيز حضارةٍ أكثر إنسانيّة.

 

إن الحبر الأعظم البابا بندكتوس السادس عشر، خلال المقابلة الممنوحة في 20 حزيران 2008 للرئيس الموقّع أدناه، قد وافق على إصدار هذا التوجيه وأمر به، بعد أن تقرّر في الجلسة العادية لمجمع العقيدة والإيمان.

 

  لويس لانداريا                     الكردينال وليم لفادا

الرئيس الفخري لتيبكا                         الرئيس

        أمين السرّ

 

روما، في مقرّ مجمع العقيدة والإيمان، في 18 أيلول 2008، في عيد ميلاد الطوباويّة العذراء مريم.

 

فهرس

 

 

مدخل

 

القسم الأول: النواحي الأنتروبولوجيّة واللاهوتيّة والخلقيّة للحياة وللإنجاب البشريّ

 

القسم الثاني: المعضلات الجديدة المرتبطة بالإنجاب

 

-تقنيات تساعد على الخصب

 

-الإخصاب في الأنبوب والإتلاف المعتمد للمضغ

 

-حقن الحُيَيّات المنَويّة ضمن جِبِلّة الخليّة

 

-تجميد المضغ

 

-تجميد البُييضات

 

-الاختزال المضغيّ

 

-التشخيص السابقُ التغريز

 

-أشكال جديدة لمنع الحمْل: الاعتراض وقطع مدّة الحبل

 

القسم الثالث: اقتراحاتٌ علاجيّة حديثة تشمل إجراء اختبارات على المضغة أو التراث الجينيّ البشريّ

 

-العلاج الجينيّ

 

-الاستنساخ البشريّ

 

-الاستخدام العلاجيّ للخلايا الأمّ

 

-محاولات التهجين

 

-استخدام «المادة الأحيائيّة» البشريّة غيرِ الشرعيّة المصدر

 

خاتمة

 

 

 

 


1مجمع العقيدة والإيمان، التوجيه «الحياة هبة الله»، في احترام الحياة البشريّة الناشئة وكرامة الإنجاب (22 شباط 1987).

AAS 80 (1988), 70-102; La Documentation Catholique 84 (1987), pp. 349-361.

2يوحنا بولس الثاني، الرسالة العامّة «تألّق الحقيقة»، في أسس تعليم الكنيسة في الأخلاق (6 آب 1993):

AAS 85 (1993), 1133-1228; La D.C. 90 (1993), pp. 901-944.

3يوحنا بولس الثاني، الرسالة العامّة «إنجيل الحياة»، في قيمة الحياة البشريّة وحصانتها (25 آذار):

AAS 85 (1995), 401-522; La D.C. 92 (1995), pp. 351-405.

4يوحنا بولس الثاني، خطاب إلى المشاركين في الجمعيّة العموميّة للأكاديميّة الحبريّة للحياة (3 آذار 2001):

AAS 93 (2001), 446; La D.C. 98 (2001), p. 405.

5را يوحنا بولس الثاني، الرسالة العامة «الإيمان والعقل»، في العلاقات بين الإيمان والعقل (14 ايلول 1998):

AAS 91 (1999), 5; La D.C. 95 (1998), p. 901.

6مجمع العقيدة والإيمان، توجيه «الحياة هبة الله»، I، 1:

AAS 80 (1988); La D.C. 84 (1987), p. 352.

7إن حقوق الإنسان، وبالأخصّ حقّ كل كائن بشريّ في الحياة، «تجد أساسها، كما ذكّر بذلك بندكتوس السادس عشر، في الشريعة الطبيعيّة المدوّية في قلب الإنسان والحاضرة في مختلف الثقافات والحضارات. انتزاع الحقوق الإنسانيّة من هذا الإطار يعني تقليصَ بُعدها والخضوعَ لمفهوم النسبيّة التي، بموجبها، يمكن أن يتبدّل معنى الحقوق وتفسيرها، وأن تُنكر شموليّتُها باسم مختلف المفاهيم الثقافيّة والسياسيّة والاجتماعيّة وحتى الدينيّة. إن تنوّع وجهات النظر الكثيرة لا يمكن أن تتسبَّب في نسيان أن ليست الحقوق هي شاملة فحسب، بل أيضاً الشخص البشريّ، موضوع تلك الحقوق» (خطاب أمام أعضاء الجمعيّة العموميّة للأمم المتحدة، 18 نيسان 2008):

AAS 100 (2008), 334; L’Osservatore Romano, éd. hebdomadaire en langue française, n. 16/2008, p. 6.

8مجمع العقيدة والإيمان، توجيه «الحياة هبة الله»، I،1:

AAS 80 (1988), 78-79; La D.C. 84 (1987), p. 352.

«الحياة هبة الله»،II، أ، 1: المرجع نفسه، 87؛ المرجع نفسه، ص 355.

1بولس السادس، الرسالة العامّة «الحياة البشريّة» (25 تموز 1968)، الرقم 8:

AAS 60 (1968), 485-486; La D.C. 65 (1968), col. 1444.

1بندكتوس السادس عشر، خطاب للمشاركين في المؤتمر الدوليّ الذي نظمته جامعة اللاتران الحبريّة في الذكرى الأربعين للرسالة العامّة «الحياة البشريّة» (10 ايار 2008):

L’Osservatore Romano, 11 mai 2008, p.1;

را يوحنا الثالث والعشرين، الرسالة العامّة «أمّ ومعلّمة» (15 ايار 1961)، III:

AAS 53 (1961), 447; La D.C. 58 (1961), p. 978.

12 المجمع الفاتيكاني الثاني، الدستور الراعويّ «فرح ورجاء»، الرقم 22.

1يوحنا بولس الثاني، الرسالة العامّة، «إنجيل الحياة»، الرقمان 37-38:

AAS 87 (1995), 442-444; La D.C. 92 (1995), pp.370-371.

1يوحنا بولس الثاني، الرسالة العامة «تألق الحقيقة»، الرقم 45:

AAS 85 (1993), 1169; La D.C. 92 (1993), pp. 916-917.

15بندكتوس السادس عشر، خطاب أمام المشاركين في المؤتمر الدوليّ الذي نظم في مناسبة انعقاد الجمعيّة العموميّة للأكاديميّة الحبريّة للحياة: «المضغة البشريّة في مرحلة ما قبل التغريز» (27 شباط 2006):

AAS 98 (2006), 264; L’Oss.Rom., éd. fr., n° 10/2006, p. 2.

1مجمع العقيدة والإيمان، توجيه «الحياة هبة الله»، المدخل،3: المرجع المذكور نفسه، 75؛ المرجع المذكور نفسه، ص 351.

1يوحنا بولس الثاني، الإرشاد الرسوليّ «وظائف العائلة المسيحية في عالم اليوم»، في مهامّ الأسرة المسيحيّة في عالم اليوم (22 تشرين الثاني 1981)، الرقم 19:

AAS 74 (1982), 101-102; La D.C. 79 (1982), p. 7.

1را المجمع الفاتيكانيّ الثاني، البيان «كرامة الإنسان» في الحريّة الدينيّة، الرقم 14.

1را مجمع العقيدة والإيمان، توجيه «الحياة هبة الله»، II، أ، 1: المرجع المذكور نفسه، 87؛ المرجع المذكور نفسه، ص 355.

2المرجع السابق نفسه، II، ب،4: المرجع المذكور نفسه، 92؛ المرجع المذكور نفسه، ص 357.

21  المرجع السابق نفسه، المدخل 3: المرجع المذكور نفسه، 75؛ المرجع المذكور نفسه، ص 351.

2نعني بإخصاب أو إنجاب اصطناعيّ غيريّ «التقنيّات الآيلة إلى الاستحصال اصطناعيّاً على حبَل بشريّ، إنطلاقاً من أمساج (خلايا تناسليّة) واردة من معطٍ على الأقلّ غير الزوجين المرتبطين بالزواج» (المرجع السابق نفسه، II:المرجع المذكور نفسه، 86؛ المرجع المذكور نفسه، ص 355).

2نعني بإخصاب أو إنجاب اصطناعي مماثل «التقنيّة الآيلة إلى الاستحصال على حبَل بشريّ، انطلاقاً من أمشاج واردة من زوجين مرتبطين بالزواج» (المرجع السابق نفسه).

2المرجع السابق نفسه، II، ب، 7: المرجع المذكور نفسه، 96؛ را بيوس الثاني عشر، خطاب إلى المشاركين في المؤتمر الدوليّ الرابع للأطبّاء الكاثوليك (29 أيلول 1949):  AAS 41 (1949), 560.

2مجمع العقيدة والإيمان، توجيه «الحياة هبة الله» II، ب، 6: المرجع المذكور نفسه، 94؛ المرجع المذكور نفسه، ص 358.

2المرجع السابق نفسه، II: المرجع المذكور نفسه، 86؛ المرجع المذكور نفسه، ص 355.

2في الوقت الراهن، يمكن أن يتعدّى عددُ المضغ المتلَفة أكثر من 80٪، حتى في أكبر مراكز الإخصاب الاصطناعيّ.

2يوحنا بولس الثاني، الرسالة العامّة «إنجيل الحياة»، الرقم 14:

AAS 87 (1995), 416; La D.C. 92 (1995), p. 357.

2را بيوس الثاني عشر، خطاب إلى المشاركين في المؤتمر العالميّ الثاني بنابولي في الخصوبة والعقم البشريّ (19 أيار 1956):

AAS 48 (1956), 470;

بولس السادس، الرسالة العامة «الحياة البشريّة»، الرقم 12:

AAS 60 (1968), 488-489; La D.C. 65 (1968), col 1447;

مجمع العقيدة والإيمان، توجيه «الحياة هبة الله» II، ب، 4-5: المرجع المذكور نفسه، 90-94؛ المرجع المذكور نفسه، ص 356-358.

3إن عدداً متزايداً من الناس غيرِ المقيَّدين برباط الزواج، يلجأون إلى تقنيّات الإخصاب الاصطناعيّ بغية الحصول على ولد. إن مثل تلك الإجراءات تضعف المؤسّسة الزواجيّة وتحصل على أولاد في أطر لا تتلاءَم ونموَّهم الإنسانيَّ الكامل.

3بندكتوس السادس عشر، خطاب إلى المشاركين في المؤتمر الدوليّ الذي نظمته الأكاديميّة الحبريّة للحياة حول موضوع «المضغة البشريّة في مرحلة ما قبل التغريز» (27 شباط 2006):

AAS 98 (2006), 264; L’Oss. Rom., éd. Fr., n° 10/2006. p.2.

·  Injection intracytoplasmique de spermatozoïdes (ICSI)

3حقن الحُيَيَّات المنَويّة ضمن جِبِلّة الخليّة (ICSI) يشبه في كلّ شيء الأساليب الأخرى للإخصاب المختبري، لكنه يتميَّز عنها إذ إن الإخصاب لا يحصل تلقائيّاً في الأنبوب، بل بواسطة حقن جبلَّة خليّة البُيَيضة بحُييٍّ منَويّ انتُقى سابقاً، أو أحياناً من خلال حقن عناصر غير ناضجة من السلالة الذريّة الذكوريّة.

3في هذا الصدد، يُشار مع ذلك إلى أن الأخصائيين يتباحثون في بعض الأخطار التي يمكن أن يتسبّب فيها (ICSI) على صحّة الطفل المحبول به.

3مجمع العقيدة والإيمان، توجيه «الحياة هبة الله»، II، ب. 5: المرجع المذكور نفسه، 93؛ المرجع المذكور نفسه، ص 358.

3حفظ المضَغ بالتجميد تقنيّةٌ تعتمد على التبريد بأدنى درجات الحرارة بغية المحافظة عليها لمدّة طويلة.

3را مجمع العقيدة والإيمان، توجيه «الحياة هبة الله»، II، أ، 1-3: المرجع المذكور نفسه، 84-85؛ المرجع المذكور نفسه، ص 354-355.

3راجع الفقرتين 34-35 من هذا التوجيه.

3را مجمع العقيدة والإيمان، توجيه «الحياة هبة الله»،II، أ، 1-3: المرجع المذكور نفسه، 87-89؛ المرجع المذكور نفسه، ص 355-356.

3يوحنا بولس الثاني، خطاب إلى المشاركين في الندوة حول «إنجيل الحياة والشرع» وفي الحوار الدوليّ الحادي عشر للحقّ القانونيّ الرومانيّ (24 أيار 1996)، الرقم 6:

AAS 88 (1996), 943-944; L’Oss. Rom., éd. Fr., n° 25/1996, p. 3.

4عُولجَ حفظُ البُيَيَضات بالتجميد في أطر أخرى لم تؤخذ هنا بعين الاعتبار. بكلمة بُيَيضة يُشار إلى الخليّة الجذريّة الأنوثيّة التي لم يخصبها الحُيَيُّ المنَويّ.

4را المجمع الفاتيكانيّ الثاني، الدستور الراعويّ «فرح ورجاء»، الرقم 51؛ يوحنا بولس الثاني، الرسالة العامّة «إنجيل الحياة»، الرقم 62:

AAS 87 (1995), 472; La D.C. 92 (1995), pp. 382-383.

4يوحنا بولس الثاني، المرجع السابق نفسه، الرقم 63: المرجع المذكور نفسه، 473؛ المرجع المذكور نفسه، ص 383.

4من وسائل اعتراض الحمْل المعروفة بالأكثر: الجهاز اللولبيّ وما يسمّى «قرص (pilule) الغد».

44من أهمّ الوسائل المضادّة للحمل: أقراص (RU 486) أو Mifépristone، وProstaglandines وMéthotrexate.

45يوحنا بولس الثاني، الرسالة العامة «إنجيل الحياة»، الرقم 58: المرجع المذكور نفسه، 467؛ المرجع المذكور نفسه، ص 381.

46را الحقّ القانوني الرومانيّ، ق. 1398 ومجموعة قوانين الكنائس الشرقيّة، ق. 1450، البند 2؛ را أيضاً الحقّ القانونيّ الرومانيّ، ق. 1323-1324. أعلنت اللجنة الحبريّة للتفسير الصحيح للحقّ القانونيّ الرومانيّ أن المفهوم الجزائي للإجهاض يعني «قتل جنين بأيّ طريقة كانت وفي أَيِّ وقتٍ كان، منذ الحَبل به» (أجوبة عن شكوك، 23 أيار 1988: AAS 80 (1988), 1818.

4في الوضع الراهن من المعارف، هناك تقنيّتان اثنتان لتأمين الاستنساخ البشريّ: الانشطار التوأميّ ونقل النواة. يقوم الانشطار التوأميّ على الفصل الاصطناعيّ للخلايا أو لمجموعة من الخلايا، انطلاقاً من المضغة، في المراحل الأولى من نموّها، وبالنقل المتتالي لتلك الخلايا إلى الرحم، للحصول بطريقة اصطناعيّة على مضغ متشابهة. أمّا نقل النواة، أو الاستنساخ بحدّ ذاته، فيقوم على إدخال نواة مستأصلة من خليّة مضغيّة أو بدنيّة في بُيَيضة سبق وفرّغت من النوى، ثم أعيد تفعيلها، كي تتطوّر بالتالي كمضغة.

4را مجمع العقيدة والإيمان، توجيه «الحياة هبة الله»، I، 6: المرجع المذكور نفسه، 84؛ المرجع المذكور نفسه، ص 354؛ يوحنا بولس الثاني، خطاب أمام أعضاء السلك الدبلوماسيّ المعتمدين لدى الكرسيّ الرسوليّ (10 كانون الثاني 2005)، الرقم 5:

 AAS 97 (2005), 153; La D.C.102 (2005), p. 113.

4التقنيّات الحديثة من هذا النوع هي مثلاً: التوالد العذريّ المطبّقة على الرجل، نقل نواة معدّلة (Altered Nuclear Transfer = ANT)، تقنيّات إعادة برمجة البيَيضة (Ovocyte Assisted Reprogramming = OAR).

5يوحنا بولس الثاني، الرسالة العامة «إنجيل الحياة»، الرقم 60: المرجع المذكور نفسه، 469؛ المرجع المذكور نفسه، ص 382.

5بندكتوس السادس عشر، خطاب للمشاركين في المؤتمر الدوليّ الذي نظمته الأكاديميّة الحبريّة للحياة حول موضوع: «الخلايا الأمّ: أي مستقبل للعلاج؟» (16 أيلول 2006):

AAS 98 (2006, 694; L’Oss. Rom., éd. Fr., n° 40/2006, p. 5.

5را الفقرتين 34 و35 من هذا التوجيه.

5را الحاشية رقم 51 أعلاه: المرجع المذكور نفسه، 693-695؛ المرجع المذكور نفسه.

5يوحنا بولس الثاني، الرسالة العامة «إنجيل الحياة»، الرقم 63: المرجع المذكور نفسه، 472-473؛ المرجع المذكور نفسه، ص 383.

5راجع المرجع السابق نفسه، الرقم 62: المرجع المذكور نفسه، 472؛ المرجع المذكور نفسه، ص 382.

5را مجمع العقيدة والإيمان، توجيه «الحياة هبة الله»، I، 4: المرجع المذكور نفسه، 83؛ المرجع المذكور نفسه، ص 353-354.

5را يوحنا بولس الثاني، الرسالة العامّة «إنجيل الحياة»، الرقم 73: المرجع المذكور نفسه، 486؛ المرجع المذكور نفسه، ص 388-389: «الإجهاض والموت الرحيم هما إذاً جريمتان لا يمكن أيّ تشريع بشريّ أن يدّعي الإقرار بهما شرعاً. إن قوانين من هذا القبيل، ليس فقط لا تولّد أيَّ التزام ضميريّ، بل إنها تضطرّ إلى التزامٍ خطير وصريح بمناهضتها عن حقّ واعتراضٍ ضميريّ». إن الحقّ في الاعتراض الضميريّ، وهو تعبير عن الحقّ في حريّة الضمير، يجب أن تصونه التشريعات المدنيّة.

5يوحنا بولس الثاني، الرسالة العامّة «إنجيل الحياة»، الرقم 89: المرجع المذكور نفسه، 502؛ المرجع المذكور نفسه، ص 395-396.

5يوحنا بولس الثاني، رسالة إلى جميع الأساقفة بشأن «إنجيل الحياة» (19 ايار 1991): AAS 84 (1992), 319