أنت هنا

القيامة

اعداد الاخ لافي خوري  

قيامة السيد المسيح من بين الأموات هي حجر الزاوية في ايماننا المسيحي فبالقيامة نرى المسيح الاله الذي قام ظافرا ومنتصرا على سلطان الموت , بعدما امات الموت بالموت , وصار ربنا يسوع المسيح الذي هو آدم الجديد , باكورة الراقدين . فالقيامة هي التي ازالت اليأس من نفوسنا وزرعت بدلا منه الرجاء , والقيامة هي التي نزعت الخوف من داخلنا وافاضت علينا بالفرح , بقيامة يسوع المسيح من بين الأموات نحن نؤمن بان حياتنا لا تزول بل تتحول , لان الموت عبور الى الحياة الأبدية .

يقول القديس اغناطيوس الانطاكي :" انه افضل لي ان اموت في المسيح من ان املك على اقاصي الأرض . اني التمسه هو الذي مات من اجلنا . واريده هو الذي قام من اجلنا ......." (التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية ).

القيامة  هي التي حطّمت رباطات العبودية ومنحتنا حرية مجد أولاد الله . القيامة تعتبر الأساس لقيامتنا نحن في المجيء الثاني للرب يسوع المسيح . وكما يبدو من رسالة القديس بولس الأولى لاهل كورنثوس كان بينهم قوم يشككون في حقيقة القيامة من بين الأموات ويجدونها شيء خيالي ومستحيل , فتصدى لهم القديس بولس مؤكدا ان ايماننا الثابت بقيامة الأجساد مرّة أخرى مستشهدا في ذلك قيامة السيد المسيح نفسه ومظهرا لاهل كورنثوس فكرهم الخاطىء , "لان ان كان الموتى لا يقومون فلا يكون المسيح قد قام , وان لم يكن المسيح قد قام فباطل ايمانكم. انتم بعد في خطاياكم" (كورنثوس الأولى 15 : 16 -17 ). وهذه الوثيقة اقدم ما دوّن في العهد الجديد عن قيامة الرب يسوع المسيح .

ان قيامة السيد المسيح حدث حقيقي وفي نفس الوقت حدث تاريخي اكيد لا يحتمل جدلا ولا تأويلا , لانه يخص انسانا وهو يسوع الناصري المصلوب , ولكن القيامة أحدثت تغييرا أساسيا في شخص يسوع , فحياته بعد قيامته تختلف كليّا وجوهريّا عن حياته قبل موته , لأنها حياة مجد . 

ولم تكن قيامته عودة الى الحياة الأرضية السابقة , كما عاد اليها من اقامهم يسوع من بين الأموات ومن بعدها ماتوا من جديد.

مثل : لعازر , وابنة يائير , وابن الارملة الوحيد , كل هؤلاء عادوا الى الحياة بعد الموت بأمر السيد يسوع المسيح , وماتوا من جديد , اما السيد المسيح فهو بعد قيامته حيّ لا يموت اذ ليس للموت سلطان عليه .

ترنم الكنيسة : "المسيح قام بين الأموات , ووطىء الموت بالموت ووهب الحياة للذين في القبور " .

" اين شوكتك يا موت؟ اين غلبتك يا جحيم؟ قام المسيح وانت صرعت . قام المسيح والابالسة سقطت. قام المسيح والملائكة جذلت . قام المسيح والحياة انتظمت . قام المسيح ولم يبق في القبر ميت . لان المسيح بقيامته من بين الأموات , صار باكورة الراقدين........"

 

بشّر الرسل بيسوع المسيح القائم من بين الأموات , وأشاروا ان القيامة سر من اسرار الدين المسيحي , وهم شهود القيامة لكنهم ليسوا وحدهم , اذ يتكلم القديس بولس عن اكثر من خمسمئة شخص تراءى لهم يسوع المسيح بعد قيامته.

الجماعة المسيحية الأولى آمنت بسر القيامة وعاشت قيامة المسيح عقيدة وسلوكا , وتناقلت باقي الأجيال ما عاشته الكنيسة الأولى .

ان قبول الايمان بقيامة يسوع المسيح لا يتوقف فقط على الاعتراف بالقيامة وانما هو نمط حياتي جديد , يترجم علانية بين الناس . ويجب علينا التسليم بان المسيح القائم هو ليس في حدود ما يمكن علم التاريخ ان ينظر فيه , بل هو يتعدى كل العقل الإنساني , فالانسان لا يدرك قيامة المسيح الّا بنعمة الهية .

 

بعض شهادات العهد الجديد على القيامة :

1 "جاءت مريم المجدلية الى القبر , فرات الحجر ازيل عن القبر فاسرعت وجاءت الى سمعان بطرس والتلميذ الاخر الذي احبه يسوع وقالت لهما: " اخذوا الرب من القبر ....." (يوحنا 20: 1-2)

2 "وعند الفجر أيضا جاءت النسوة الى القبر وقد طلعت الشمس وكن يتساءلن من يدحرج الحجر عن القبر . فنظرن فرأين ان الحجر قد دحرج وكان كبيرا جدا فدخلن القبر وابصرن ملاكا جالسا عن اليمين قال لهن لا ترتعبن انتن تطلبن يسوع الناصري المصلوب , انه قام وليس ههنا (مرقس16: 2-6)

3 " قام يسوع فجر الاحد , تراءى أولا لمريم المجدلية فمضت واخبرت التلاميذ فلما سمعوا انه حي وانها شاهدته لم يصدقوا "

4 عندما ظهر يسوع لتلاميذه , ظنوا اول الامر انهم يرون روحا فقال لهم :"  انظروا الى يدي ورجلي انا هو بنفسي المسوني وانظروا فان الروح ليس له عظم كما ترون" (لوقا 24: 39)

هناك الكثير من الشهادات على قيامة الرب يسوع المسيح في العهد الجديد , ولكن الشيء المهم والملفت للانتباه هو ان اعلان القيامة أوكل للنساء مع انه في ذلك العصر كان مناقد للتقاليد والعادات , لان المرأة لم  يسمع رأيها آنذك.

 

الأدلة الروحية على القيامة :     

1 ولادة المسيح من عذراء: وهي دليل بالرغم من ان المسيح ظهر بجسد مادي , غير انه  لم يكن من جهة جوهره واحدا من سكان الأرض بل كان هو الرب من السماء . آدم الأول (ترابي) آدم الثاني هو الرب من السماء 

آدم الأول جسده مكون من تراب الأرض فلا بدّ ان يعود الى ترابها 

آدم الثاني مكون جسدة بفعل سماوي ,كان لا بدّ ان يقوم بجسده الممجد ويعود الى السماء .

2 عصمته المطلقة : حياة يسوع على الرض كانت حياة الكمال , اعداءه واصدقاءه شهدوا له بذلك .  "ليست فيه علة ما"(يوحنا 18: 38)

"انه بار " (متى 27 : 24)  . "من يبكتني على خطيئة"(يوحنا 8: 46)

3 قدرته الفائقة : كان يسوع في حياته على الأرض يكيف النواميس الطبيعية حسب مشيئته , عندما مشى على المياة . دخل على الرسل والابواب موصده . 

4 كونه هو الحياة وسيد الحياة: " انا الطريق والحق والحياة...." (يوحنا 14: 6)

شهد له بطرس قائلا : "قتلتم سيد الحياة و فاقامه الله من بين الأموات"(اعمال15:3

5 احياء الموتى , وأيضا موتى الروح : احياء ابنة يائير , احياء لعازر

6 عدالة الله : لو لم يقم  يسوع المسيح من بين الأموات لشككنا بوجود الله ووعوده.

 

القيامة وجماعة المؤمنين : 

لا يمكن الفصل بين المسيح وخاصته الموجودة التي أسسها وهي "الكنيسة". 

فالكنيسة هي الوسيلة التي من خلالها يجعل المسيح قيامته حاضرة ومحسوسة في العالم . حياة الكنيسة هي شهادة لقيامة يسوع المسيح من بين الأموات , والتي تتمثل في : الرسل , الصلاة والعبادة , وشهادة المؤمنين .

الرسل : هم شهود القيامة واصبحوا منادين بالخلاص بفضل موت وقيامة يسوع هم يعلنون حدثا اختبروه بالروح القدس .

الصلاة والعبادة :هي ممارسة الجماعة المؤمنة في خدمة الكلمة والاسرار منذ القيامة , وهي التي تفتح المؤمنين على حضور المسيح القائم من بين الأموات في حياتهم .

الاسرار هي استمرار حضور المسيح في حياة الكنيسة , في المعمودية والتي هي اتحاد المعتمد بالمسيح , والافخارستيا التي هي وحدة جسد المسيح الحقيقية .

شهادة المؤمنين : حياتهم يجب ان تكون شهادة لقيامة الرب يسوع المسيح , وان تكون منفتحة على جميع الناس , وتعرف ان المسيح اتى من اجل كل انسان وخلاص كل الانسان , لا يمكنها ان تكون منغلقة على نفسها .

 

القبر الفارغ :

احداث القبر الفارغ موجودة عند كل الانجليين , "ليس ههنا فانه قد قام......"

(متى 28: 6) (مرقس 16: 6) (لوقا 24: 6) (يوحنا 20: 1 -10)

فالقبر الفارغ الذي تركه لنا الرب مفتوحا هو علامة الغلبة على الموت . فالانسان المؤمن بالنسبة له يبقى "القبر الفارغ" علامة لايمانه.

في الأرض كلها لا يوجد الّا قبر واحد فارغ يحج اليه المؤمنون بمشاعر الحب والأمانة والوفاء كمريم المجدلية , يصلون بخشوع وورع ورجاء .

فالقبر الذي هو مستودع الظلام والموت , اصبح مصدر النور والحياة 

يقول القديس يوحنا الذهبي الفم : "وقد اشرق من القبر حقيقة الغفران"

نرى قوة القيامة في الرسل , اذ نراهم تقبلوا الصليب والموت بخوف ورعدة وحتى الهروب , ولكن لما انطلقت بشارة القيامة كيف تغيروا وتجددوا وكيف كرزوا صار لهم العار فخرا والعذاب فرحا والصليب والموت إكليلا.

القيامة مركز البشارة الأولى التي اعتمد عليها كافة الرسل والمبشرين منذ نشأت الكنيسة فالايمان بالمسيح يعني الايمان بالقيامة , والمسيح هو ابن الله لانه قام من بين الموات بسلطانه الإلهي "وتعين ابن الله من جهة روح القداسة بالقيامة من بين الأموات" (روما 1: 4).

قيامة المسيح عملا الهيا خفيا يخرج عن اطار المكان والزمان , لايدركه العقل البشري , مع ان المسيح القائم يبقى على علاقة بعالمنا وهنا يأتي دور الايمان لان تلك العلاقة لا تدرك الا به.

يا يسوع اني أومن بقيامتك المجيدة , فقد قمت من القبر من اجلي , كما مت على الصليب من اجلي , وقيامتك المجيدة عي لي انجيل وبشرى , فاعطني يا يسوع ان أعيش قيامتك في حياتي.

 

المراجع :

1-هل حقا قام (القديس يوحنا الذهبي الفم ) ص 4-5

2- قيامة المسيح (سمعان عوض) ص116-121

3- قيامة المسيح (الاب صلاح أبو جودة اليسوعي)

4- يسوع خبز الحياة (المطران سليم الصائغ)

5- القبر الفارغ (الاب متى المسكين) نت

6-اخبار سارة عن القيامة والصعود(الاب متى المسكين) ص5

 

لافي عبدالله خوري

وسوم: