أنت هنا

 

"الرسل الإثنا عشر" في الإيقونات "الجامعة":

 

إن الغالبيّة العُظمى من الإيقونات ذات الطابع البيزنطيّ، التي يظهر فيها الربّ يسوع مع تلاميذه، تُركّز عادةً على شخص السيّد وعلى العمل الذي يقوم به (كإجرائه آية من آياته، أو في حدث من أحداث حياته الأرضيّة)، ولا يكون التركيز فيها على التلاميذ، بل تُظهِر بعضاً منهم من ضمن المشهد.

إلا أن هؤلاء يظهرون بعددهم الكامل (12) في ثلاث إيقونات أساسيّة، أسمَيناها ب"الإيقونات الجامعة"، وتتميّز بتشابهها إلى حدّ مُعيّن، خصوصاً في ما يخصّ الفكرة اللاهوتيّة خلف الشخصيّات الواردة فيها، وهي إيقونات "الصعود"، "العنصرة"، و"تذكار الرسل".

في غمرة "تذكار الرسل الإثنَي عشر"، نُقدّم قراءة سريعة لإيقونة التذكار بشكل رئيسيّ، مع فكرة سريعة عن إيقونتَي "الصعود" والعنصرة"، مُظهِرين الفكرة اللاهوتيّة المُشتركة بينها. كما يجدر بنا أن نُميّز بين تعبيرَي "التلاميذ" و"الرسل"، فهم كانوا "تلاميذ" طالما كانوا بصحبة المُعلّم الإلهيّ (أي حتى "الصعود"). أما من "العنصرة" وصاعداً، فأصبحوا "رُسلاً" بقبولهم الروح القدس وإنطلاقهم إلى الكرازة.

************************************************

أولاً – الإيقونة المُسمّاة ب"تذكار الرسل الأطهار":

نبدأ بالقول إن بعض النُسخ الأخرى من هذه الإيقونة قد يُظهِر في القسم العُلويّ منها، الربّ يسوع في المجد السماويّ، وهو يُظلّل الرسل على الأرض... إنه رأس الكنيسة وعريسها الغير منظور.

يبدو الرسل الإثنا عشر مُتحلّقين حول مُجسّم بناء، وقد قصد كاتب الإيقونة وضعهم في ترتيب مُعيّن، إذ إن لكلّ رسول موقعه المُرتبِط بكرازته وبعلاقته برسول آخر. إلا أن الأشخاص الموجودين في الإيقونة، ليسوا كلّهم من تلاميذ "الحلقة الضيّقة" الذين ساروا منذ البداية مع السيّد في كرازته. فقد قصد كاتب الإيقونة حجب بعض الأسماء نظراً لدورهم الأقلّ أهميّة (سمعان "القانويّ"، ويهوذا "تداوس"، ومتيّا)، وإدراج أسماء أخرى نظراً لدورهم الكبير والأساسيّ في نقل الكرازة الإنجيليّة (بولس، ومرقس، ولوقا). إن كلّ رسول هو مهمّ وله مكانته ودوره في إيصال البشارة، لكن من أجل روحانيّة الإيقونة وللحفاظ على عدد ال12، تمّت عمليّة تبديل بعض الأشخاص.

في الصفّ الأماميّ، يتصدّر المشهد الرسولان بطرس وبولس، المُلقّبان ب"هامتَي الرسل"، وهما يحملان مُجسّماً يُمثّل الكنيسة الجامعة، "جسد المسيح السرّيّ"، المرموز إليها بالبناء الكنسيّ الحجريّ... إن بطرس هو الصيّاد "سمعان بن يونا" من بيت صيدا، الذي لقّبه السيّد ب"الصخرة" والذي دعاه لأن يكون صيّاداً للبشر، والذي أنكر سيّده في وقت الشدّة ثم تاب توبة عظيمة... إنه يُعرَف في الإيقونة بهيئته الدالّة على تقدّم مُعيّن في السنّ رمزاً لمكانته، كما نراه مُمسِكاً بيده ملفّاً يرمز إلى الرسالتَين الجامعتَين اللتَين كتبهما. أما بولس، فهو شاول الطرسوسيّ، "الفرّيسيّ إبن الفرّيسيّ"، "الإناء" الذي إصطفاه الربّ يسوع ليُرسله للكرازة، فيُصبح معروفاً بلقب "رسول الأمم"... إنه يُعرَف في الإيقونة بسُحنته المُميّزة جداً، وهو مُمسِك بكتاب ضخم يرمز إلى العدد الكبير من الرسائل التي كتبها خلال كرازته.

خلفهما مباشرةً، نلاحظ رسولَين إنجيليّين إرتبط كلّ منها بكرازة إحدى "الهامتَين". فيبدو مرقس الذي رافق بطرس وصولاً إلى مدينة روما (قلب العالم الوثنيّ إن صحّ التعبير)، ونراه حاملاً إنجيله الذي كتبه لمسيحيّي تلك الديار... كما نجد لوقا (الطبيب اليونانيّ) الذي رافق بولس في كرازته، وهو يحمل كتاباً مزدوجاً، يحوي الإنجيل الذي كتبه بعد "تقصّي الحقائق منذ البداية"، وسفر "أعمال الرسل" ("إنجيل الروح القدس"، أو "يوميّات الكنيسة الأولى").

في الصفّ الأعلى، يتوسّط أندراوس مصافّ الرسل، فهو "المدعوّ أولاً" (له كرامة الأقدميّة)، ويُعرَف من هيئته المُميّزة جداً (الشبيهة بهيئة يوحنا المعمدان، لأنه كان قبلاً تلميذه)، ويده على شكل برَكة (كما الربّ يسوع في إيقوناته). أما عن يمينه، فنرى مباشرةً يوحنا بن زبدى "التلميذ الحبيب"، و"المُتّكىء على الصدر الأقدس" (يُصوّر شيخاً في الإيقونة نظراً لعمره المديد) حاملاً سفراً ضخماً يضمّ إنجيله الشهير كما رسائله الثلاث ورؤياه، وقربه أخاه يعقوب بن زبدى، الذي كان أول من قضى شهيداً بين "الإثنَي عشر". أما خلفهما، فيظهر فيلبّس (من بيت صيدا) ونثنائيل "القانويّ" (المعروف أيضاً ببرثلماوس)، لإرتباطهما بمعرفة وصداقة سابقتَين لمعرفتهما بالربّ يسوع، ولإنطلاقهما إلى الكرازة سويّةً، ويُعرَف فيلبّس في الإيقونة من ملامحه الشابّة. أما على المقلب الآخر، أي عن يسار أندراوس، فنرى متى (العشّار سابقاً) حاملاً إنجيله الذي كتبه للمسيحيّين من أصل يهوديّ في أرض فلسطين. وخلفه أخيراً، يظهر يعقوب بن حلفى (أخو الربّ) الذي ترك لنا "رسالة جامعة"، وتوما "المُشكّك" الذي يُعرَف أيضاً بهيئته الشابّة.

************************************************

ثانياً – أوجه الشبه مع إيقونتَي "الصعود" و"العنصرة":

* في إيقونة "الصعود"، يظهر إثنا عشر شخصاً (إضافةً إلى مريم والدة الإله)، وهم تلاميذ "ما بعد القيامة" (أصبحوا أحد عشر بعد غياب يهوذا الإسخريوطيّ)، زائد شخصاً واحداً، وضعه كاتب الإيقونة عند الجهة المُقابلة لبطرس (أي عن يمين والدة الإله)، كما في إستباق لدوره في المرحلة المُقبلة: إنه بولس الرسول المعروف بهيئته المُميّزة... قد يبدو الأمر غريباً إذ إن بولس لم يكن موجوداً في "الصعود"، وهو لم يعرف الربّ يسوع في مُحيّاه. لكن كاتب الإيقونة قصد إدخاله بين التلاميذ في "الصعود"، إكمالاً للعدد إلى إثنَي عشر (لنعود إلى العدد الأصليّ للتلاميذ)، كما أيضاً لملء المركز الذي شغر برحيل يهوذا الإسخريوطيّ والذي لم يُملأ بعد بإنتخاب "متّيّا"، وأيضاً لمكانة بولس الرفيعة ودوره في الكرازة الآتية.

إذاً، في هذه الإيقونة، إظهار مُبكر لتأسيس الكنيسة ولدور ومكانة "هامتَي الرسل".

* في إيقونة "العنصرة"، أورد كاتب الإيقونة إثنَي عشر رسولاً، لكنه إستبدل بعض "الأصليّين" بآخرين. فمتّيا الذي كان قد إنتُخِبَ مكان يهوذا الإسخريوطيّ، في الفترة الفاصلة بين "صعود الربّ" و"حلول الروح القدس"، لم يرِد في الإيقونة كونه "لم يزل في بداية الطريق" (كما نقول شعبيّاً). كما أن يعقوب بن حلفى، ويهوذا الآخر (تداوس)، لا يظهران أيضاً بسبب قلّة ذكرهما في الأناجيل (وليس تقليلاً لدورهما في الكرازة)... وأورد كاتب الإيقونة بدلاً منهم بولس الرسول، ومرقس ولوقا الإنجيليّين (رغم أن الثلاثة لم يعرفوا الربّ يسوع شخصيّاً)، وذلك نظراً للجهد الكبير الذي بذلوه في سبيل نشر البشارة. وهذا يُظهر أن هدف كاتب الإيقونة هو التركيز على الكرازة، وليس على الأشخاص. كما أن الغاية من إظهار المجموعتَين من الرسل، هو لإبراز دور هامتَي الرسل بطرس وبولس في إرساء دعائم الكنيسة عبر المسكونة (آنذاك).

وعلى غرار إيقونة "تذكار الرسل الأطهار"، أظهرنا أسماء الرسل كما وردوا تقليديّاً في إيقونات "العنصرة"، خصوصاً أن البعض منهم يُعرَف بسهولة: (1) بطرس يُعرَف من سنّه المُتقدّم ومن "مركزه الرئاسيّ"، وهو يحمل سفراً يرمز إلى رسالتَيه "الجامعتَين". (2) متى (لاوي) يُعرَف من هيئته "العبرانيّة" كبطرس، وهو مُمسِك بإنجيله "العبرانيّ" (المكتوب لأجل العبرانيّين). (3) مرقس يُعرَف من جلوسه في صفّ بطرس لأن إنجيله هو عُصارة البشارة "البطرسيّة". يليهم (4) يعقوب إبن زبدى (أخ يوحنا والشهيد الأول بين الإثنَي عشر)، (5) سمعان "القانويّ" (أو "الغيور" لإرتباطه بجماعة تُناهض الإحتلال الرومانيّ)، و(6) توما "المُشكِّك" والمعروف بهيئته الشابّة. يُقابلهم (7) بولس "رسول الأمم" (الفرّيسيّ سابقاً) المعروف تقليديّاً بسُحنته الشهيرة، حاملاً سفر رسائله الضخم، (8) يوحنا الإنجيليّ الشابّ في حينه والمُعمّر طويلاً فيما بعد، وهو يحمل سفر كتاباته المُميّزة، (9) لوقا الإنجيليّ والطبيب "اليونانيّ"، وهو أيضاً يحمل سفر كتابَيه (الإنجيل وأعمال الرسل)، (10) أندراوس "المدعوّ أولاً" والمعروف بهيأته المُميّزة (الشبيهة بهيئة يوحنا المعمدان)، (11) برثلماوس و(12) فيلبس الصديقان القديمان، والرفيقان في الكرازة الآتية.

في هذه الإيقونة، تجسيد لتأسيس الكنيسة، وتشابه كبير جداً مع إيقونة تذكار الرسل الأطهار.

بقلم الاخ  توفيق ناصر (خريستوفيلوس)