أنت هنا

تاريخ النشر: 
الاثنين, يونيو 28, 2021 - 09:46

اعلام المطرانية 

اقيم يوم الأحد في كنيسة البشارة للاتين، بازيليكا البشارة، في الناصرة، قداس خاص لأجل السلام في الشرق الأوسط، ترأس الذبيحة الإلهية غبطة البطريرك بيير باتيستا بيتسابالا بطريرك القدس للاتين، بمشاركة لفيف من الأساقفة اللاتين والكاثوليك والموارنة والسريان، وعدد من كهنة الروم الكاثوليك والموارنة والسريان والأرمن، وبحضور حشد كبير من مسيحيي الأرض المقدسة من المحليين والأجانب. 
وألقى سيادة المطران يوسف متّى رئيس أساقفة عكا وحيفا والناصرة وسائر الجليل عظة الاحتفال بالذبيحة الإلهية، وقال:
اليومَ تلتئِمُ عائلةُ الكنيسةِ الكاثوليكيةِ في الأراضي المقدسةِ، بوابةِ الشرقِ المباركِ ومهدِ الحضارات، هنا في الناصرة، مدينةِ البشارةِ حيث بدأ كلُ شيءٍ. وهذا لترفعَ التسبيحَ والإكرامَ والشكرَ وتُعلنَ شجاعةَ ابنةِ الجليلِ مريمَ العذراء، التي أُعجبَ الملاكُ بتواضعِها وثباتِها ويقينِ ثقتِها باللهِ، فبادرَها وهي تصلّي، ليبلّغَها إرادةَ اللهِ للبشريةِ، وهتفَ نحوَها وَلأوّلِ مرّةٍ بكلمةِ السلامِ، قائلاً: السلامُ عليكِ أيتُها المنعَمِ عليها الربُّ معك.
ويسترسلُ القديسُ لوقا في هذا الحدثِ، ليعبّرَ عن تساؤلِ مريمَ لهذا السلامِ. نَعم، رسالةُ اللهِ تبدأُ بالسلامِ، وسلامُ اللهِ بحاجةٍ إلى تفسيرٍ وفهمٍ يفوقُ مفاهيمَ البشرِ ومحدوديَّتَهم، إذ يتعدّى بزخَمِ كلِّ صفحاتِ الإنجيلِ المقدّس. فالسلامُ لمريمَ كانَ أولَ خَطوَةٍ للمُصالحةِ بين اللهِ والبشرِ. سلامُ مريمَ كان سببًا لارتكاضِ جنينِ اليصابات في بطنِ أمِّهِ. وسلامُ الملائكةِ للرعاةِ يندمجُ بالفرحِ لكلِّ الناسِ، لأنَّ سلامَ اللهِ هو فرحٌ لكلِ إنسان. 
والسلامُ الحقيقيُ هو ركنٌ مهمٌ في الشريعةِ الجديدةِ: "طوبى للساعين إلى السلامِ فإنَّهم أبناءَ اللهِ يدعون". بهذا السلامِ تكونُ تحيّتُنا الكهنوتيةُ، مردّدينَ السلامَ لكم، وبسلامٍ إلى الربِّ نطلبُ... هذا هو السلامُ الذي استودَعَهُ المسيحُ تلاميذَه قبلَ صعودِهِ عنا إلى السماءِ. 
ويتردّدُ هذا السلامُ عبرَ امتدادِ التبشيرِ مع الكنيسةِ الأولى يومَ العنصرةِ، وعلى مدى قرونٍ وعقودٍ، بقيَتِ الكنيسةُ أمينةً على إرساءِ مبدأ السلامِ، فكانت وصيّةُ رسولِ السلامِ وملكِ السلامِ يسوعَ المسيح له المجدُ، تحاورُ العالمَ ونفوسَ البشريةِ بالكلمةِ والمكاتبةِ والشهادةِ في التضحيةِ والاستشهادِ، وذلك في دعوةٍ للمحافظةِ على الكرامةِ الإنسانيةِ والحرِّياتِ والحقوقِ لكلِّ إنسانٍ، وضمانِ وحفظِ السلامِ في حياتِه، فصمَدَت أمامَ تحدّياتِ هذا العالمِ، على الرغمِ من العِدائيةِ أحيانًا والهوان.
واليومَ من هذا المكانِ المقدّسِ، نجدّدُ عهودَ إيمانِنا والتزامِنا بوصيةِ السيدِ المسيحِ، وطاعةً لإرادةِ صاحبِ القداسةِ وضميرِ البشريةِ، قداسةِ البابا فرنسيس، الذي خصّنا بهذه البركةِ، ووفاءً منا لكهنوتِنا ومسؤوليتِنا كرعاةٍ لهذه الكنائسِ في الأرضِ المقدسّةِ، نصرخُ بصوتٍ عظيمٍ ونقولُ: السلامَ. نرجو السلامَ.. نريدُ السلامَ.. 
نعم، نريدُ السلامَ لكلِ إنسانٍ ولكلِ أمّةٍ ولكلِ شعبٍ في بلادِنا المقدسةِ، أرضِ الأنبياءِ والمرسلين، أرضٍ نزلَ فيها الكلمةُ فتجسّدَ محبةً للجميع. نعم نريدُ السلامَ... ونعلنُ كفى لحضارةِ الموتِ والعنفِ. ونعم لحضارةِ السلامِ وحضارةِ الحياة.
إخوتي، السلامُ يَتأتّى بالاستقرارِ، ويحتاجُ إلى برنامجٍ تربويٍّ، حيث إن التربيةَ للسلامِ توظِّفُ فينا الالتزامَ الإنسانيَ والأخلاقيَ والدينيَ، وتهدفُ إلى احترامٍ الإنسانِ وحقوقِه، وهذا لا يمكنُ أن يتمَّ دونَ احترامِ كرامةِ الأفرادِ والشعوبِ وعيشِ الأخوّةِ، بعيدًا عن العصبيةِ والتطرّفِ والعنصريةِ والتزمّتِ الديني، لأن السلامَ هو نتيجةُ المحبةِ وثمرةُ العدالةِ، وقبلَ كلِ شيءٍ هو عطيةُ وَهِبةُ اللهِ لنا جميعًا. 
السلامُ ليس فقط عطيةً ننالهُا، أنما هو عملٌ أيضًا، نبنيهِ معًا كي نكونَ صانعي سلامٍ حقيقيين. ولهذا علينا أن نربّيَ أنفسَنا أولًا على فضيلةِ المصالحةِ، أي الشفاءِ الداخلي لكلٍ منا، ثم نبدأُ بالتضامنِ، والتعاونِ والتآخي، فاعلين بنشاطٍ في المجتمعِ بضميرٍ يقظٍ حولَ إحقاقِ العدالةِ السماويةِ ولا سيّما للضعفاءِ. وقد عزّزتِ الكنيسةُ وحتلنت أوضاعَها ورصدَت طاقاتِها اللامتناهيةِ للعدالةِ والسلامِ، وأوصت في الحفاظِ على الخليقةِ وشدّدت على العنايةِ بالمهاجرينَ والمهجّرينَ والمرضى والمهمّشين، وضحايا النزاعاتِ المسلّحةِ والكوارثِ الطبيعيةِ، لتشدَّ أنظارَنا إلى ما هو أسمى... إلى الإنسانِ المخلوقِ على صورةِ اللهِ، في كرامةٍ ليسَ لأحدٍ الحقَّ في انتزاعِها منه...
وهنا لابدَّ من التنويهِ إلى موقفِ اللامبالاة، الذي يشكّلُ أحيانًا خطورةً على البشريةِ، إن كان على صعيدِ الأفرادِ أو المسؤولين، إذ يؤدّي ذلك إلى إعلاءِ نسبةِ الظلمِ والعنفِ. والكنيسةُ في هذا تؤكّدُ على أنَّ كلَّ شخصٍ هو عضوٌ في العائلةِ البشريةِ ويستحقُّ منا جميعًا الاهتمامَ والكرامةَ. وهذا ما رأيناهُ في نصِّ الإنجيلِ المقدّسِ اليوم. 
من هذا المِنبرِ نناشدُ المسؤولين وأصحابَ القراراتِ في كلِ بلدٍ، أن يعتمدوا تصحيحَ المسارِ حولَ مواضيعِ العدلِ والحقوقِ الانسانيةِ، لأجلِ بناءِ مجتمعٍ تربويٍّ عامٍّ مؤسَّسٍ على أهمِّ قيمةٍ، هي قيمةُ الحياةِ بذاتِها، التي هي للهِ وحدَه، وله وحدَه الحقُّ فيها. 
من بيتِ العائلةِ المقدسةِ، لابدَّ لنا من استذكارِ دورِ عائلاتِنا، النواةِ والدفيئةِ الأولى والفاعلةِ في بناءِ القلبِ البشريِّ والمحُب. فبداخلِ العائلةِ يتدرّبُ كلٌ منا على الحوارِ والاحترامِ والاهتمامِ بخيرِ الآخرين، وذلك في إطارِ التسامحِ والرحمةِ والمغفرةِ، بعيدًا عن التسلّطِ والقمعِ والعنفِ. وعلينا كعائلةٍ أن نرجِعَ لنقرأَ من جديدٍ، وعلى ضوءِ الإنجيلِ المقدّسِ، مفاعيلَ الزواجِ ومسؤولياتِهِ، لنكونَ حقًا على مثالِ هذه العائلةِ المقدسّةِ، التي نستودعُها اليومَ بلادَنا الحبيبةَ.
ندعو اللهَ من هذا المكانِ المقدّسِ أن يقوّيَنا على حَملِ مسؤولياتِنا، وندعو لكم الثباتَ في رفعِ شأنِ حضارةِ السلامِ عاليًا، ودعمَ جسورِ السلامِ وروابطِ التلاقي الأخويِّ الصادقِ، ونستشفعُ العذراءَ مريمَ أن تسكُبَ بأمومَتِها حنانًا علينا، يُبلسِمُ فينا جراحَ التاريخِ المؤلمةِ، وترشُدَنا إلى ابنِها يسوعَ المسيحِ الذي ترعرعَ هنا، فنبنيَ معًا مستقبلًا لائقًا سالـمًا لشبابِنا وأولادِنا في هذه الأرضِ، وحياةً كريمةً لكلِ مواطنٍ فيها.
وبمناسبة سنة القديس يوسف، تم تكريس الشرق الأوسط للعائلة المقدسة في ختام القداس، حيث بارك السادة الأساقفة أيقونة العائلة المقدسة التي كتبها قدس الأب سمير روحنا، وشرح عن تفاصيلها الفنية وأبعادها الروحية. وهذه الأيقونة ستجوب في رحلة حج، كلا من كنائس الناصرة ثم لبنان، الأردن، مصر، سوريا والعراق، وبعدها ستصل إلى روما في نهاية سنة القديس يوسف في ٨ كانون الأول ٢٠٢١. ومن روما ستعود الأيقونة من جديد إلى الأرض المقدسة، حيث ستبقى في بازيليك البشارة.